ملخص ما ذكر في المقال السابق: إن الخوارج ظهروا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، إنهم أول الفرق الضالة ظهوراً، أن التكبر على الحق واحتقار الناس هي سمتهم، أنهم كثيرو العبادة ولكنها لم تنفعهم.
وأما حقيقتهم في زمن الصحابة رضي الله عنهم، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الخلافة في أمته ثلاثين سنة كما في حديث سفنة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون بعد ذلك الملك، قال سفينة: امسك، خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتين، وخلافة عمر رضي الله عنه ست سنين، رضي الله عنهم أجمعين، ففي زمن أبي أبكر الصديق, وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، حال الخوارج كحالهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا شوكة ولا راية، وإنما كان التخطيط بسرية وإسكات، فلما تولى الخلافة عثمان رضي عنه بقوا صدراً من خلافته على ما كانوا عليه في زمن من قبله، وقد كانوا قبل ذلك تفرقوا في الأمصار، فطائفة في مصر، وأخرى في الشام، وثالثة في العراق، وكان على رأس هؤلاء القوم ابن السوداء الذي استقر في مصر، وأشار على الناس المفتونين بإظهار الأمر المعروف والنهي عن المنكر والطعن على الأمراء ليستميلوا بذلك الناس معهم، وقد حصل ما أرادوا من استمالة الناس وتكثير جندهم، وليتفطن اللبيب إلى هذا الأمر المهم بأنه ليس كل من ادعى الإصلاح فهو على حق، فإن الله تعالى ذكر حال أناس ادعوا الإصلاح فقالوا (.. إنما نحن مصلحون..) فأكذبهم الله فقال: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ}، وشيئاً فشيئاً حتى قدموا المدينة، فعمدوا إلى أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، وقدموا له ما أنكروا عليه، وأغلظوا له القول، ومن العجيب أن ابن كثير رحمه الله ذكر أن الذي كان يناقش عثمان رضي الله عنه شاب لم يظهر الشعر في وجهه، وطلبوا منه التنحي عن الخلافة فأبى رضي الله عنه، وقال: لا أنزع سربا لا سربلنيه الله أبداً، وبمحاصرة دامت زمناً، دخلوا عليه داره، فقتلوه رضي الله عنه وهو صابر محتسب لا يريد أن يراق بسبب دم مسلم واحد، ولم يكن لمن كان من الصحابة بالمدينة قدرة على الدفاع، ولا على الحيولة دون قتله، وهذه هي البلوى التي لما بشره النبي بالجنة قال: على بلوى تصيبه، ولم يكتف هؤلاء القوم بقتل خليفة المسلمين وزوج ابنتي الرسول صلى الله عليه وسلم، ذي النورين، المجهز لجيش العسرة، الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم بعدها: ما على عثمان ما عمل بعد اليوم، بل تعدى أمرهم وشرهم إلى إشعال فتيل الحرب بين الصحابة في معركة الجمل، فإن المحققين من أهل العلم على أن الخوارج هم الذين بدؤوا القتال خوفاً من أن يتحد صف المسلمين فيمسكون بقتلة عثمان فيؤخذ القصاص. ولم يكن هذا هو منتهى أفعالهم المشينة حتى خرجوا على علي رضي الله عنه، وقالوا لا حكم إلا لله، قال علي رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل، فأمهلهم حتى سفكوا الدم الحرام، وقد اعتزلوا في مكان يقال له حروراء، ومن أجله سموا الحرورية، فأرسل إليهم ابن عباس فناظرهم فرجع منهم آلاف، وتمسك الباقون بما هم عليه من الباطل، فقاتلهم علي رضي الله عنه وأكرمه الله بقتلهم، ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول الناس، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، من لقيهم فليقتلهم، فإن قتلهم أجر عند الله عز وجل، ولما جيء برؤوسهم إلى الشام وراءهم أبو أمامة رضي الله عنه بكى رحمة لهم وقال: كلاب أهل النار. ثلاثاً.. ثم قال: شر قتلى تحت ظل السماء، وخير قتلى الذين قتلوهم، ثم تلا قوله تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}.
www.hailqq@gmil.com