إن مما لا شك فيه أن فرقة المسلمين وتفكك أواصرهم والتناحر بينهم من الأمور الظاهرة للعيان، التي تدعو إلى وقفة صادقة معها، فبتأمل الآيات القرآنية، والنصوص النبوية نجد أنها تحث على وحدة الكلمة والتكاتف والاعتصام بحبل الله، وأنها شرعة لكل الأمم التي أرسل لها الرسل؛ فقال عزّ من قائل {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}، وقال سبحانه وتعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}.
وبيّن الله أن من موجبات الفرقة في الدين وقوع البأس بين الأقوام والحروب وتسلط الأعداء والخوف والجوع والفتن والهلاك.. ومما جاء في ذلك قوله عز وجل {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ}.
وحتى نعرف ما ينبغي فعله حتى تعود الأمة إلى وحدتها فتسود الأمم لا بد من بيان أسباب الفرقة والتناحر، وأذكرها هنا باختصار، فإن من أبرز أسباب فرقة الأمة:
1- البُعد عن الكتاب والسنة تعبداً وفهماً وتطبيقاً.
2- تقليد اليهود والنصارى ومشابهتهم في طقوسهم وحياتهم (حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه).
3- الاحتكام إلى غير ما شرع الله، وعدم الحكم بما أنزل سبحانه وتعالى خاصة في الحدود، قال عليه الصلاة والسلام (وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
4- انتشار البدع.
5- التعصب المذهبي وتسفيه كل قول يخالف ما عليه المذهب.
6- الجهل والبعد عن العلم الشرعي، وهي أساس كل فتنة حيث يدفع صاحبه إلى عدم التفريق بين الأصول والفروع، وهناك فروع يسع الاختلاف فيها، ولا ينبغي أن تكون سبباً للفرقة.
7- ظهور الدعاة إلى الفتن وهم من ألبسوا أنفسهم ثوب الإصلاح وهم في الحقيقة أهل الفساد والفتنة، حيث يقفون خلف كل ما كان ضد ظهور الإسلام وتطبيقه على ما أراد الله؛ ما أدى إلى زعزعة كلمة المسلمين ووحدتهم.
8- الخروج على ولاة الأمر ومخالفتهم (ومن شذ شذ في النار).
9- ومن أعظم أسباب الفرقة: البغي: وهو مجاوزة الحد، والمراد منها: ما يكون بين المسلمين من غيرة وحسد وكِبر، فإنها تحمل صاحبها على رد الحق. وكذا العجب والغرور فإنهما يحملان صاحبهما على أن يزدري غيره ويحتقر الآخرين. وسوء الظن حتى لا يثق بأحد.. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلم سوءا وأنت تجد لها في الخير محملاً).
ولا تقتصر أسباب الفرقة على ما سبق ذكره؛ فهناك ضعف الوازع الديني، والركون إلى الدنيا وملذاتها، وتغليب الأهواء والجهل بآثار التفرقة.
وبناء على ما ذكر آنفاً نعلم أن ترك هذه الأسباب هو ما يعيد لهذه الأمة وحدتها، وأهم الأسباب:
- التمسك بالكتاب والسنة ولزوم الجماعة، قال عليه الصلاة والسلام: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) وقد ذكر وصفها عندما سئل عن الفرقة الناجية فقال: (هم من كان على ما أنا عليه وأصحابي).
- الاحتكام إلى شرع الله وتطبيق حدوده.
- العلم الشرعي الصحيح، والتفقه في مسائل الاختلاف.
- التخلق بأخلاق الإسلام التي تدعو إلى التآلف والتكاتف كالمحبة والإيثار والصفح والعدل وحسن الظن وسلامة القلب والرغبة في الحق.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الحق تأكيداً لخيرية هذه الأمة: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}.
- تصحيح العقيدة ومحاربة البدع، فإن سلامة العقيدة وسيلة توحيد الصفوف.
- التثبت وعدم تتبع الشائعات، وحسن الظن.
بقي أن أشير إلى أن من أبرز ما يشيع الوحدة حتى تنهض الأمة شعور المؤسسات التربوية بمسؤوليتها تجاه ذلك وتعزيزها في المناهج الدراسية.
كما لا يغيب عن الذهن التذكير بأن أول مؤسس لشعور الفرد بأهمية وحدة الكلمة وتكاتف المسلمين والاعتزاز بالدين هو الأسرة، حيث ينبغي على الوالدين تربية أبنائهم على ذلك في داخل الأسرة وترسيخ هذا المفهوم في نفوسهم منذ الصغر.
هذا، وأسأل الله العظيم أن يوحد كلمة المسلمين وصفهم ويعزهم بالإسلام ويعز الإسلام بهم.
* أستاذ الفقه المساعد بكلية التربية بالرياض