حاوره - ماجد بن عبدالله الزعاقي *
أشاد فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز بن فوزان الفوزان عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة حقوق الإنسان بجهود الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال فضيلته إنها جهود مباركة ونشاطاتها متنوّعة، وهي في الحقيقة من أكبر أسباب حفظ الأمن والاستقرار في هذا البلد، مثمناً جهود الرئاسة المبذولة إعلامياً.
. وقال تشكر حقيقة الهيئة على بعد نظرها وإدراكها لأهمية الإعلام وقيامها بإصدار هذه المجلة التي أطمع حقيقة أن تكون أسبوعية ثم تتحوّل إلى صحيفة يومية بإذن الله، فهي مهمة جداً والحاجة إليها ماسة.
وأردف في حواره الذي خصّنا به بقوله: ورجال الحسبة حقيقة هم من أبرز حراس العقيدة وحماة الشريعة للدفاع عن الأخلاق والقيم.
حرية المجتمع
* يصوّر بعض الكتّاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أنه خرق لحرية المجتمع وإكراه له على سلوك معيّن ما تعليق فضيلتكم على ذلك؟
- الزعم بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعارض أو يتناقض مع حرية الإنسان دعوى شيطانية باطلة، والسبب في ذلك أن تكاليف الشريعة قد لا تتفق في أحيان كثيرة مع هوى الإنسان ورغباته ونزواته الشيطانية، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام (حفّت الجنة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات). والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر إنما يأمر بما أمر الله به عزَّ وجلَّ عباده وينهاهم عمّا نهاهم عنه ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لتأمّرون بالمعروف ولتنهوّن عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطراً). وهذا في الحقيقة أمر صريح بوجوب حمل الناس على المعروف الذي أمر الله عزَّ وجلَّ به ونهيهم عن المنكر الذي نهى الله عزَّ وجلَّ عنه حتى وإن خالف أهواءهم الضالة وشهواتهم المنحرفة. وهناك أمر آخر مهم جداً وهو أن الخارج عن طاعة الله وحدوده كما أنه يضر بنفسه ويؤدي بها إلى الهلكة والشقاء في الدنيا والآخرة فهو يضر بالمجتمع من حوله، فنحن نأمره وننهاه حفاظاً على مصلحته أولاً وحفاظاً على مصلحة المجتمع ثانياً، فكل إنسان في هذا المجتمع يعد لبنة من لبناته فأي خلل في لبنات هذا البناء فإنها ستؤثّر على بقيته حتماً والإنسان ليس حراً يفعل ما يشاء ولو كان مضراً به أو بغيره.
جهود مباركة
* ما رأي فضيلتكم في جهود الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على جميع الأصعدة؟
- إنها جهود مباركة ونشاطاتها متنوّعة هي في الحقيقة من أكبر أسباب حفظ الأمن والاستقرار في هذا البلد وحماية الدين والعقل والأعراض والأموال وعلى الصعيد الإعلامي أشكركم على (الحسبة) الصادرة عن إدارة العلاقات العامة والإعلام التي أراها غاية في الأهمية وخصوصاً أننا نعيش في عصر الإعلام والإعلام يؤثّر في توجهات الناس وفي عقولهم تأثيراً بليغاً، فتشكر حقيقة الهيئة على بعد نظرها وإدراكها لأهمية الإعلام وقيامها بإصدار هذه المجلة التي أطمع حقيقة أن تكون أسبوعية ثم تتحوّل إلى صحيفة يومية بإذن الله، فهي مهمة جداً والحاجة إليها ماسّة. ورجال الحسبة حقيقة هم من أبرز حراس العقيدة وحماة الشريعة للدفاع عن الأخلاق والقيم.
كمال الحرية
* بماذا تتميّز الشريعة الإسلامية عن غيرها من القوانين في مجالات حقوق الإنسان؟
- تتميّز شريعة الإسلام عن غيرها من القوانين في كون القوانين تتفق على أن حرية الإنسان تنتهي عند حد الإضرار بالآخرين وأنه ليس له أن يحتج بحريته ليضر بغيره، إلا أن شريعة الإسلام تزيد أمراً مهماً يدل على كمالها ورحمتها بالخلق وأنها جاءت بتحقيق مصالحهم في عاجل أمرهم وآجله وهو أن الشريعة تمنع الإنسان أن يضر بنفسه حتى ولو لم يضر بالآخرين، ولهذا منعته من أكل المال بالباطل ومنعته من ارتكاب الزنى ولو كان بالتراضي ومنعته من عقوق الوالدين وقطيعة الرحم وألزمته بالصلاة مع أن المستفيد منها هو ولن يضر الناس شيئاً وألزمته بصيام رمضان وألزمته بقراءة القرآن والذكر في مواضع عديدة كل هذا من أجل مصلحة هذا العبد وضمان تحصيل السعادة له في الدنيا والآخرة بحيث يتسع باله ويطمئن خاطره وتتحسن معيشته ويحصل رضا الله سبحانه وتعالى الذي يجلب له كل خير في دنياه وآخرته، فهذه ثلاثة أسباب تبيّن لك أن القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تتعارض مع حرية الإنسان، بل هي في الواقع تقيّد حريته عمّا يضر به هو في خاصة نفسه وما يضر بالآخرين من حوله، فهي في الواقع وإن خالفت شهوته وإرادته الفاسدة ولكنها تنتهي به في النهاية إلى تحقيق مصلحته وإسعاده في الدنيا والآخرة.
غالب الإجماع
* ما تعليق فضيلتكم حول ما يحتج به من وجود الاختلاف في الأحكام لأجل المطالبة بتخفيف أو تهميش جهود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
- أولاً هناك أشياء كثيرة متفق عليها بين علماء الأمة قديماً وحديثاً، وأكثر مخالفات الناس التي تتوافر همم الأخيار وأهل الحسبة على إنكارها هي من الأمور المجمع عليها مثل نهي الناس عن التساهل في الصلاة ونهيهم عن معاكسة النساء ونهيهم عن فعل الزنى واللواط أو الأسباب الموصلة إلى ذلك ونهيهم عن الإضرار بالآخرين والتعدي على أموالهم وأبدانهم وما أشبه ذلك هذه كلها مما أجمع عليها العلماء، فأنت لست تنهاهم عن شيء فيه خلاف بين العلماء في تحريمه والنهي عنه ولست تأمرهم حين تأمر بالصلاة والمحافظة عليها أو تأمر بالحجاب بالنسبة للمرأة أو تأمر بالغض عن الحرمات فهذه أشياء مجمع عليها من حيث الجملة.
ويبقى أن هناك أشياء لا شك أنها محل خلاف بين العلماء فإن كنت ترى أن هذا الشخص خالف ما تعتقده راجحاً أنت بالدليل فالواجب عليك أن تتلطّف في نهيه وذلك من خلال إقناعه بحرمة الشيء الذي يفعله وإيراد الأدلة المقنعة في هذا الباب حتى يقتنع وإن تبيّن لك أن الرجل طالب علم وهو مقتنع بصحة ما يفعل فليس لك أن تنكر عليه، اللهم إلا أن يكون هناك نظام صادر من ولي الأمر بالنهي عن هذا الشيء والإنكار على من فعله ففي هذه الحالة يجب عليه أن يلتزم بما قرّره ولي الأمر لأجل مصلحة الناس ولو كان يخالف ما يعتقده هو في خاصة نفسه لأن طاعة ولي الأمر في هذه الحال واجبة وحكم الحاكم يرفع الخلاف كما يقول العلماء وهذا في أشياء نادرة تحصل لكن إذا كان فعلاً صدر قرار من ولي الأمر فيجب الالتزام به حتى ولو لم يقتنع به الإنسان، وقد يكون هناك أنظمة كثيرة يسنها ولي الأمر لأجل مصلحة الناس وليست مما جاءت به الشريعة ونصّت عليه الأدلة من الكتاب والسنة صراحة لكنها فعلاً تحقق للمصلحة أو تدرأ مفسدة كبرى وتجد إنساناً قد يكون غير مقتنع بهذا القرار لكن نحن نلزمه أن يأخذ برأي ولي الأمر ولو لم يكن مقتنعاً لأن طاعة ولي الأمر في غير معصية الله واجبة.
إذاً أقول إن هؤلاء الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم في الأصل يأمرون بأشياء متفق عليها واضحة، بل قد يكون أكثرها من المعلوم من الدين بالضرورة، فهذا هو مجال أمرهم ونهيهم في الغالب والأشياء المختلف عليها كما ذكرت إن كان فيها قرار من ولي الأمر ونظام معمول به فيجب الالتزام به اقتنع الإنسان أو لم يقتنع ولو في المسألة خلاف وهو يأخذ بالرأي الآخر لأن رأي ولي الأمر يرفع الخلاف ويوجب الالتزام به، أما إذا لم يكن فيها قرار من ولي الأمر فالواجب على المحتسب أن يتلطّف في إقناع هذا الإنسان بوجهة نظره فإن اقتنع فبها ونعمت وإن لم يقتنع فليس له أن يلزمه بما يرى.
الجهاد بالإعلام
* يعتذر كثير من الناس عن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أنه لا علاقة له بشأن الإنكار، ما هو دور المجتمع تجاه هذه القضية؟
- أعتقد أن أكبر ميزة تميّز عصرنا الحاضر أنه عصر الثورة الهائلة في مجال الإعلام والاتصال وأعتقد أن الجهاد الحقيقي المؤثّر الذي ترفع به راية لا إله إلا الله وتعلو به كلمة الله هو جهاد الإعلام جهاد الحجة والبرهان، ونحن حينما نصف هذه الأمة بأنها خير أمة أخرجت للناس لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.. وأنا أتحدث أيضاً عن أن من أخص صفات المؤمنين والمؤمنات أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كما قال الله عزَّ وجلَّ {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} لسنا نعني بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقط ما تقوم به الجهات الرسمية أو هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية أو غيرها من دول العالم الإسلامي هم يؤدون واجباً عظيماً وربما في كثير من الحالات يرفعون الإثم عن مجموعة الأمة لأنهم قاموا بفرض الكفاية، ولكن هذا الواجب هو واجب كل مسلم في كل موضع كل بحسب موقعه وعلى قدر علمه وبحسب استطاعته وإمكاناته يجب عليه كما يسعى لإصلاح نفسه أن يجتهد في إصلاح الناس ما وسعه ذلك وأن يأمر بالخير وينهى عن الشر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتضمن الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ والتعريف بالإسلام وهداية الناس والحرص على إسلامهم وتأليف قلوبهم على دين الله عزَّ وجلَّ، وأعتقد أن وسائل الإعلام في عصرنا الحاضر وبخاصة المواقع الإلكترونية وكذلك القنوات الفضائية والإذاعات أعظم وسيلة للقيام بهذا الواجب لست أتحدث عن السعودية أو داخل المجتمعات الإسلامية، بل على مستوى العالم ويؤكّد لك ذلك أن شعوب العالم ظل أناس يحاولون الحيلولة بين شعوبهم وبين معرفة الإسلام وسماع الإسلام لأنهم يدركون أن دين الإسلام هو دين الفطرة النقيّة والعقل السليم وفيه من القدرة على الإقناع ما لا يوجد في أديانهم ومذاهبهم الباطلة، أما اليوم ولله الحمد في ظل هذه الثورة الهائلة العارمة في مجال الإعلام والاتصال جعلت العالم كقرية واحدة وأيضاً كسرت كل الحدود والحواجز والعقبات التي تحول بين تبليغ رسالة الله عزَّ وجلَّ وإقامة الحجة على العالمين في ظل هذا نستطيع ولله الحمد أن نبلغ رسالة الإسلام إلى العالم أجمع وبلغات يفهمونها وأن نخاطب العالم من أقصاه إلى أقصاه ونحن في بيوتنا ومكاتبنا، وهذا ما أتمنى أن تتوافر همم ولاة الأمر والعلماء والدعاة وأهل الحسبة والتجار والوجهاء، بل عامة الناس والكتّاب وغيرهم للحرص عليه واستثماره فإنه والله أعظم وسيلة لتبليغ دين الله عزَّ وجلَّ وللجهاد في سبيله ولإعلاء كلمته.
* إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر