Al Jazirah NewsPaper Friday  14/11/2008 G Issue 13196
الجمعة 16 ذو القعدة 1429   العدد  13196
يريد القارئ مراجعةً يا فوزية!!
أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري

الأستاذة الفاضلة الدكتورة فوزية الدريع دكتورة كويتية ذات تخصُّصٍ في علم النفس؛ فكان تخصصها (الثقافة الجنسية) من زاوية علم النفس، وذلك في مرحلة الماجستير بجامعة باسيفيك لوثر بواشنطن.. ثم أضافت إلى ذلك تخصصها في (السُّلوك والاتجاهات الجنسية) من زاوية علم النفس أيضاً، وذلك في مرحلة الدكتوراه من جامعة يورك ببريطانيا.

* نفسية في مستشفى الطب النفسي بالكويت، ومستشارة لشؤون الطفل والأسرة في جريدة الوطن، وقد أصدرت كتابها (رؤية نفسية لأزمة الثاني من أغسطس)، ويظهر أن ذلك بداية عمل؛ لأن للكتاب عنواناً آخر هو (الدرس الأول)(1).. وقد واجهت في هذا الكتاب ثلاث أزمات من الظلم الفادح الذي ألحقه صدام حسين وحزب البعث بالكويت وشعب الكويت:

الأزمة الأولى: تحليل مخابرات صدَّام لنفسية الكويتي، وَوَصْفُه بالترف والرخاوة والانهماك والاتكالية والغرور، والافتخار بأنه (كويتي) دون مقومات في الرقعة لهذا الافتخار.. وهو تحليل يضجُّ بالحقد الصارخ على بلد ذي نعمة.. جاء هذا التحليل من العمالة العراقية في الكويت التي تمارس ظاهراً أعمالاً مثل بيع (البَنَك) - وهو نوع من المكسرات -، أو مسح سيارات.. وهكذا إلى مستوى المثقفين ذوي التخصص.. وعملهم الخفي أنهم أجهزة استخبارات.

والأزمة الثانية: الهجمة الشرسة على الكويت هجمة فوق مستوى الاحتلال والدمج، بل هي هجمة نِكاية وتخريب واغتصاب وذبح جماعي وتعذيب قبل القتل كتبريد الضحية في ثلاجة وهو حي، ثم إخراجه.. وهكذا حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة.

والأزمة الثالثة: التخطيط على المدى البعيد - بعد الاحتلال والتخريب - بإذلال الكويتي، وتتويبه عما سمَّته الطاووسية.

قال أبو عبدالرحمن: وكنت متألماً لتحليلات حزب البعث الجلف لنفسية الكويتي، ولكن زاد ألمي معالجة الكاتبة الفاضلة؛ لأنها كرَّست أكثر تُهَم حزب البعث التحليلية، ولم تنفها.. وكان التكريس لغرض التسويغ والدفاع عن معقوليته؛ حتى ظننتُ أن الكاتبة عراقية لا كويتية!!.. وكان المنهج في مواجهة الظلم البعثي أن يكون من ثلاث زوايا:

الزاوية الأولى: إكذاب ما لا يصح بالبينات.

والزاوية الثانية: الدفاع المنطقي عما جُعل مثلبة وهو مَنْقَبة.

والزاوية الثالثة: إثبات ما هو صحيح، وهو عيب فعلاً؛ ليكون ذلك من النقد الذاتي الإصلاحي، ومن الاعتبار بما هو من عوامل الأحداث المؤلمة.

ثم أضافت الكاتبة الفاضلة إفادات أخرى من واقع تخصصها؛ فحللت تحليلاً نفسياً شخصية صدام حسين، وربطت فظائع حكمه الأرعن بطفولته ومآسيها، واعتمدت في الأكثر على ما كتبه حسن العلوي، وهي لا تُحيل إلى مصدر، بل جانب التوثيق معدوم في الكتاب، وحللت نفسية الفرد العراقي رابطةً ذلك بظروفه التاريخية القاسية منذ حمورابي إلى الحجاج إلى صدام.. ثم تعرضت لما وقع أو يُتَوَقَّع حدوثه من آثار نافعة إيجابية أو سلبية، ومن آثار مَرَضيَّة ضارة تصيب الفرد الكويتي جرَّاء أزمة الاحتلال كتأنيب الضمير والخجل وطموح المرأة على زوجها؛ إذْ لم تجده أهلاً للدفاع.. إلى مسيرة طويلة من الاضطرابات النفسية والعقلية.. والكاتبة الفاضلة خبيرة في فنها حسنة المقصد في اجتهادها، ولكن ليس كل مجتهد مصيباً؛ لأنني أرى الكتاب بحالته الراهنة أعظم ألماً من تحليلات حزب البعث الظالم، وفيه إحباط لمعنوية الفتى الكويتي؛ لهذا أرجو من دكتورتنا الكريمة مراجعةً لا تكلفها سوى أسطر معدودة تُضاف، وأسطر كثيرة تُحذف؛ ليستعيد الكويتي طموحه بكل ثقة، وليُحسب له ألم الصدمة باعتبارٍ منه فعَّال.. ولا تَتَّسع هذه المقالة لكل ملاحظاتي، ولكنني أذكر الأهم، وألخصه فيما يلي:

1- ضرورة التناغم بين النقد الذاتيِّ وواقعية الأمر المطروح للنقاش؛ فمن جهة واقعية الطرح لا أرى أن هناك ما يوجب شعور الكويتي بالخجل وتأنيب الضمير؛ والسر في ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم كلهم مجنَّدون، وعدوهم يفوقهم عدداً وعدةً؛ فكلَّفهم ربهم أن يغلب عشرون صابرون منهم مئتين من عدوهم، ثم خفف الله عنهم لضعفهم؛ فطالبهم بأن يغلب مئة منهم مئتين من عدوهم.. والشعب الكويتي ليس مجنَّداً كله، والمجنَّدون أمام هجمة مئتي ألف عراقي مدرَّب وراءه مليون وثماني مئة ألف مجنَّد بالسلاح الأبيض، وقد هزموا إيران قبل ذلك!!.. أما الأسلحة الثقيلة والإبادة بالمصنوعات الكيماوية والبيولوجية فلا قِبَل لهم بها؛ فلو لم يبقَ في الكويت فرد واحد، وأن كل واحد استطاع الفرار لما كان في ذلك عيب، بل هو عين العقل.. والذي منع من أن يكون الشعب الكويتي مجنداً ضمانات دولية تمنع من احتلال دولة لدولة، وميثاق جامعة دول عربية، واستبعاد أن يكون الانتقام والتدمير هو الأصل، وأن يكون الاحتلال هو الأمر الثانوي.

وأما النقد الذاتي كضرورة التجنيد العام، وبناء الملاجئ وسبل الوقاية؛ ليكون الانسحاب أمام هجمة غير متكافئة تدريجياً تحت غطاء من المقاومة ولو كان مؤقتاً قصير المدى حتى يأتي الفرج بدعم يرفض الظلم: فأمر ضروري؛ وبحكم الواقعية التي أسلفتها يفقد الكتاب مصداقيته في مثل قول الكاتبة:) استطاع أن يدوِّخ الجيش العراقي بسلاحه)(2).. وقولها: (شلَّت واحداً من أعظم جيوش العالم)(3)، وقولها: (شهادة تفوقنا في الأزمة)(4).

2- ليس كل نقد ذاتي يُسمح بنشره على الملإ.. نعم يُسمح بإشاعة نقد ذاتي يؤكد أن الرقعة الجامدة مصدر حب؛ لأن حب الوطن جِبِلَّة بشرية، ولكنها لا تكون مصدر فخر إلا برجالها، وتاريخهم وسلوكهم.. ويسمح بإشاعة نقد ذاتي يرفض الترف والتعالي والخمول والتمظهر، ويشيع الإيمان بالله، وإظهار ذلك بالانقياد لشرعه، والتواصي على منع المحرمات، ورفض إرادة الشهوة البشرية (الديموقراطية) العلمانية أمام مسؤولية الفكر والتزامه بعد حريته، وأمام قيود الشعب لمصلحة البلاد والعباد، ومن السماجة تسويغ الرذائل.. ومن خلال هذا النقد الذاتي البرهاني تحتاج الكاتبة إلى مراجعة في قولها:) الترف ليس شذوذاً؛ لأنه انعكاس طبيعي للحالة المالية)(5)، وقولها: (رفع الأنف والكتفين والترفع بلا غرور أمر كويتي جميل)(6).

قال أبو عبدالرحمن: لسنا بحاجة إلى كلمة (بلا غرور)؛ فهذا المظهر الذي سَرَدَته غير مُرضٍ ديناً وخلقاً ورجولة، بل عباد الرحمن يمشون على الأرض هوناً.. وأصعب من ذلك أن تعدَّ من الضعف في مواجهة الأزمة ما سمَّته بالصيغة السبحانية مثل (الحمد لله على كل شيء)(7).. ومما يحتاج إلى مراجعة بمشورة ذي علم شرعي تخصصي تحليلها لموقف من قال: أُصبنا بأعمالنا السوداء(8).

ومما لا تجوز إشاعته بحجة أنه من النقد الذاتي كل ما ورد بالفصل الرابع بعنوان الكويتي بعد الاحتلال كالكلام عن الاضطرابات، وما في ثنايا ذلك من ممارسات جنسية غير سَوِيَّة؛ لأن ذلك حالات فردية لا يعم شعباً بأكمله؛ ولأنه توقُّعات قد لا يصدق منها إلا القليل؛ ولأنها إحباط لكل كويتي يقرأ الكتاب.. إن ذلك فضيحة ذاتية وليس نقداً ذاتياً، والبديل من ذلك برمجة في التربية التعليمية والإعلامية والصحية تواجه المحتمل من أزمات ما بعد الأزمة على صعيد محلي تلقائي لا يلفت نظر أحد من الخارج.

3- تنقية الكتاب من افتخار ليس في محلِّه، وهو جزئية داخلة في الطرح الواقعي والنقد الذاتي كالتعلق بالسبق في الانفتاح والديموقراطية والعمران وتعريف العالم بمنطقة الخليج(9)؛ فهذا تعوزه الدقة، ثم إن أمة الدعوة لها دين حدَّد لها منحة الخالق لها؛ فلا تكون بذلك الديموقراطيةُ قيمةً فكرية أو سلوكية، وإنما هي موضوع للقيمة، والقيمة تردها بمنطق الحق والخير والجمال.. والانفتاح إنما هو في الصنع والاكتشاف والخبرة الإدارية والسياسية، وجعل المتعة على هامش القوة والضرورة.

4- الكف عن الاعتداد بما هو محل نقد وليس هو مفاجأة تستحق الإعجاب كحمدها للأزمة بأن الفتى المترف - ذا الطاووسية كما وصفته - صار يحمل القمامة، ويقف أمام الأفران للخبز(10)؛ فهذا حتمية لا شجاعة.. وأنه صار بعد الوسوسة في الغذاء يتناول مواد منتهية الصلاحية(11)، وأنه يعطي الجندي العراقي العطشان الطعام والماء وقد لا يعود إلى أهله!!(12)، وأن من حسنات الأزمة ملازمة الرجل للزوجة مع أنه قبل ذلك لا يراها إلا بشكل خاطف(13).. مع أن هذا أحدث تمرداً من الجنس اللطيف الذي صار يخرج لقضاء الحوائج والرجال في البيت(14)، ثم حكمها بأن الملازمة قوَّت الناحية الجنسية؛ فكانت وظيفية علاجية لإشباعات أخرى كالخواء الأمني(15).

5- مراجعة أمور ثقافية كزعمها أن صداماً أوجد نظام البعث(16) ولم يوجده؛ فهذه مكابرة تاريخية، بل أوجد البعث الكاثوليكية العالمية، ثم هيَّأت القوى نفسها صدَّاماً لذلك؛ فتسلَّق على كرسي أحمد البكر بسرعة خاطفة.. وتدرُّبه في أندية المافيا مما هو مشهور غير منكور.. ومن ذلك تحليلها لشخصية الفتى المصري بدونيَّة من خلال مقولة الطاعة وتسلط الفراعنة بالتسخير.. إلخ؛ فما دخل الفتى المصري (بتحليل الشخصية العراقية والكويتية) في الطرفين في أزمة خانقة، ولماذا هذه اللفتة غير المباركة؟!.

ومن ذلك عقدة التعبير بمصطلحات عسيرة النطق من قاموس علم النفس، وكان الأولى التعريب أو الاقتراض مع التعريف(17).. وبإيجاز فإني أدعو الكاتبة الفاضلة إلى اقتصاد في التحليل السيِّئ؛ ليخفِّف الوطأة؛ فلا يُبرز بالإثارة ثغرات النقص الكبير.. وأدعوها إلى ثراء في العلاج النفسي؛ فذلك هو المطلوب مع الاهتداء بخبرة شرعية.. وها هي تُجمل الحال بعد الأزمة؛ فتقول: (الإنسان الكويتي بعد أزمة الثاني من آب/أغسطس ثلاثة أنواع:

أ- نوع تغيَّر نحو الأسوإ.

ب- ونوع تغيَّر نحو الأحسن.

ج- ونوع لم يتغيَّر)(18)؛ فهذا مع سلبيات ما قبل الأزمة هو موضوع علم النفس التخصصي علاجاً، لا تحليلاً يُشمت بنا الأعداء، والله المستعان.

المراجع

(1) صدر عن دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع/ط م سجل العرب.. وهي في الكتاب تعد بتحرير بحوث - انظر ص125 و221-؛ مما يدل على أن هذا الكتاب بداية مشروع.

(2) ص61

(3) ص51

(4) ص53

(5) ص59

(6) ص70

(7) ص93

(8) ص244

(9) ص54

(10) ص59

(11) ص82

(12) ص12

(13) ص112

(14) انظر على سبيل المثال ص114 - 116

(15) ص113، وذكرت إشباعا قذرا ص232

(16) هو تسلم السلطة، وحكم بالمنهج الكافر لحزب البعث القائم قبله، وقد دربته المافيا، ودعمته ووجهته الكاثولوكية العالمية.

(17) انظر على سبيل المثال ص219 عن السيكوسوماتية، وص243 عن السيكوبائية.. قال أستاذي الدكتور محمد خير بقاعي: (psychosomatique = نفسجسمي وصف للعرض المرضي الذي يظهر أثره في البناء التشريحي للجسم عندما تكون مسبباته نفسية والأمراض النفسجسمية: هي أمراض جسمية تنشأ بسبب نفسي، ويحدث فيها تلفا في البناء التشريحي للعضو المريض.. والمصطلح الأجنبي مؤلف من كلمتين psycho بمعنى نفس وsomatique بمعنى جسد مأخوذة من الكلمة الإغريقية (soma)، وتحقق استخدامها منذ عام 1860م.. وأما الكلمة المركبة فتستخدم صفة واسما مؤنثا، وتحقق استخدامها منذ عام 1946م بوصفها مصطلحا من مصطلحات علم النفسي.. انظر: موسوعة علم النفس والتحليل النفسي للدكتور فرج عبدالقادر طه، دار سعاد الصباح، الكويت، ط1، 1993م، ص807 - 808 .

والسيكوباتية (الاعتلال النفسي) psychopathie كانت السيكوباتية تعني للأطباء النفسيين الفرنسيين في القرن التاسع عشر كل حالة عقلية مرضية.. وتعنى حاليا بتأثير المؤلفين الألمان والأنغلوساكسونيين كل ش من تنظيم الشخصية يتجلى برقابة انفعالية سيئة، واندفاعات وتصرفات على هامش المجتمع أو معادية للمجتمع، ناجمة عن حاجة لا تقاوم إلى إشباع رغباته مباشرة.. والكلمة مؤلفة من psycho = نفس، وpathie من الإغريقية patheia.. والكلمة مركبة من مصطلحات علم النفس استخدمت اسما مؤنثا منذ عام 1878م ولها معنيان كما ذكرنا أعلاه.. انظر: المعجم الموسوعي في علم النفس، نوربير سيلامي بمشاركة مئة وثلاثة وثلاثين اختصاصيا، ترجمة وجيه أسعد، منشورات وزارة الثقافة السورية، 2001م، ج3، ص1378-1380م).

(18) ص211




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد