تخوض وزارة الصحة غمار تجربة جديدة، تفتح من خلالها أبوابها لتلج منها إلى وسائل الإعلام، بتعيينها ناطقين إعلاميين في بعض المناطق، وهي خطوة تأخرت كثيراً، وتركت للمتلقين تحديد المقاييس التي يرسمون من خلالها،..
..خطوط الطول والعرض مع الوزارة، غير مقتنعين بمواقفها الإعلامية، إذ جنحت نحو البطء تارة، ونحو فسحة صغيرة يطل من خلالها إعلامها، نحو الرأي العام تارة أخرى، ولكنها تركت للناس حرية إبداء الآراء، تكريساً لما جاء في السياسة الإعلامية، غير أنّ تجاوب الوزارة معها في أحيان كثيرة، لم يكن على المستوى المطلوب، مما ترك الساحة للتأويلات والتفسيرات، بعيداً عن أجواء الفعالية الصحية، وأضحى إعلامها رهينة بين جدرانها، وها هي اليوم تطل من نافذة الناطقين الإعلاميين، لتزيل الحواجز من أمامها، وتتقبل حزمة من الحقائق، بعيداً عن وهم القوة والسيطرة.
أداء وزارة الصحة كان وسيظل موضع انتقاد دائم، لأنها الجهة الأولى المعنية بصحة الناس، ومن حقهم أن ينتقدوا، ولها في ذلك قدوة حسنة، حينما أعلن عبد الله بن عبد العزيز، أنّه ينتقد نفسه إلى حد القسوة المرهقة، فكان عليها أن تتحرك لتواجه انتقادات وآراء (تشبه كتلة كبيرة من الجليد من أعلى الجبل إلى الوادي، لتسحق في طريقها كل شيء في الوقت الذي تغيّر فيه تضاريس موقعها).
ومهما يكن من أمر فإنّ هذه التجربة، تبقى في مربع المطالبة بثَمَن، عبر فعالية إعلامية نشطة، تطرق أبواب الإعلام تفاعلاً مع الأحداث الصحية المتتابعة، وبخاصة تلك التي تحمل المخاطر، وتفتقر في أحيان كثيرة إلى معلومات واضحة، وصحيحة، تغلق أبواب الجدل والمعارضة، وتفرض معطيات التطور الصحي الكبير أمام وسائل الإعلام، وتكشف الوزارة حقيقة التداعي الذي أصاب برامجها نحو الجمهور بأسره.
ولا ريب أنّ هذه الخطوة ينبغي الترحيب بها، فالحرب الساخنة بين الوزارة والجمهور ينبغي أن تخف وطأتها، فتخرج الوزارة بخطاب إعلامي من حدوده الضيقة، إلى الاستجابة للشروط الإعلامية، بعيداً عن الدعائية، ومواجهة تفسيرات ترى الوزارة أنها خاطئة، ويرى المستفيدون من خدماتها أنهم على صواب، وفي كلتا الحالتين فإنّه لا يمكن التقليل من خطوة الناطقين الإعلاميين، إذا عرفوا كيف ومتى وأين يخاطبون الجمهور من خلال وسائل الإعلام، غير متقاعسين عن أداء واجباتهم ومسؤولياتهم، ومدركين خطورة الإعلام المؤثر والمتأثر، ومبادرين بالاتصال معه لا ينتظرونه يطرق أبوابها، حتى إذا طرقها وجد من يتفاعل معها، ويستجيب لها، بعيداً عن المركزية، فالتعامل الصحي الإعلامي سيبقى مستمراً، إذا تزامن مع (استعادة الموازنة الحقيقية بين الحقيقة من جهة، والقدرة على التفاعل معها من جهة أخرى، إذا كان أحد منهما، مازال مهتماً بالحقيقة والنوعية).
توجُّه وزارة الصحة نحو الإعلام من خلال (20) ناطقاً باسمها في مناطق المملكة، يسدّ الفجوة بينها وبين الجمهور، ويجعلهم متفاعلين مع مصدر الرسالة الإعلامية. ومن المهم متابعة مسار هذا التوجُّه عند وضعه موضع التطبيق الفعلي، وعدم تجاهل القدرة على التمييز في التناول، بين مستهدفات الداخل السعودي، والفضاء الخارجي، وما أخال الوزارة إلاّ ساعية لتحقيق خطوة التقييم والتقويم معاً، فالافتقار إلى تضامن الجمهور، والقوة المطلوبة من الوزارة، يجب ألاّ تكون موضع تساؤلات، والفكرة من وجود ناطقين إعلاميين، تجعل الوزارة مدينة مُشِعّة على قمة جبل.
فاكس: 4543856