في زمن تبدلت فيه القيم فأصبح السارق مسكيناً مظلوماً مضطهداً... لا يملك من الأمر شيئاً فالكل ضده حتى الماء الذي يشربه والهواء الذي يتنفسه قد يشهدان هما أيضاً (زوراً) على أفعاله وأقواله الصادقة شكلاً الكاذبة مضموناً، فهي وفي أحسن حالاتها لا تعدو كونها كذبة ناصعة البياض تحمل في طياتها تلك النيَّة الصافية (الصالحة) إن صح التعبير، فالسارق لم يقصد السرقة فأنت - أيها المسروق - من أغراه بذلك، فكل شيء لا بد أن يكون داخل الحرز المصون لكي لا يتعرّض هو الآخر للسرقة أيضاً!
هل هي الوقاحة أم اللا مبالاة أم الاستهتار..؟! أن تُسرق في وضح النهار، فتُهشَّم بعد ذلك جمجمتك وتُكسَّر أضلاعك، كل ذلك لأنك قلت ولم تفعل نعم قلت!، قلت ماذا؟.. لمَ أسرق؟!، الأمر نفسه هو الذي حصل ويحصل وسيحصل مع الأسف!! وهو نفسه الذي واجهه الزميل المخرج عبد الرحمن أبو العينين عندما سُرق منه (عنوةً) جهازه المحمول في وضح الحقيقة وبين جموع الخليقة، فما إن فتح فمه بكلمة حتى انهالت عليه الطعنات والركلات حتى أفقدته وعيه، والحق طبعاً (طار) ورحل مع هؤلاء اللصوص المجرمين والعابثين بأمن هذا البلد واستقراره.
منذ ما يقارب العامين كنت قد كتبت عن هذا الموضوع وتناولت أبرز الفصول فيه التي لا تبتعد كثيراً عن تلك الحوادث التي تصبحنا وتمسينا كل يوم وباستمرار وبلا توقف، الأمر الذي يثير الحفيظة والدهشة أن هذه الحوادث أصبحت تُركتب بمهنية عالية وبدقة متناهية، فآلية السرقات لم تتجاوز هي الأخرى المفهوم العام لها بينما تتطور الوسائل بشكل ملحوظ، وهذا ما تطالعنا به الصحف بعد قبض الشرطة على إحدى العصابات المتخصصة في السرقة.
الكل يعرف وأنا واحد منهم أن المهام المناطة بأقسام الشرطة كبيرة، فهي تتحمّل الجزء الأكبر والأثقل في إدارة المدن وهو الحفاظ على الأمن ومطاردة المجرمين الذين يعبثون بمقدرات الوطن وممتلكاته، ولهم الشكر الجزيل على ما يبذلون من أعمال حثيثة في هذا المضمار، ولكن الوضع الراهن أصبح بحاجة إلى مضاعفة الجهد وتكريس العمل للوصول إلى مرحلة الاطمئنان، فالكثير من المنازل والاستراحات تتعرّض للسرقة أكثر من مرة وفي كل حادثة - يتكرّر السيناريو - يقبض على المجرم ويودع السجن فما هي إلا سويعات محدودة فإذا به يغرّد في الخارج حراً طليقاً ليبحث عن مكانٍ آخر يسرقه وقد يرجع إلى نفس المكان ليعيد فصول جريمته النكراء فيه! وأقسام الشرطة لا تُلام في هذا الأمر بما أن النظام يفرض ذلك..!، حتى الجهات القضائية قد تتغاضى في هذا الموضوع بحجة أن المسروق لم يكن في حرز من السرقة؟!
alfaisal411@hotmail.com