يتبع الإنسان هاجسه تماماً كما يفعل به ظله..
ما يختلفان فيه هو أن الظل تحديدٌ صلدٌ لشكل صاحبه, يتمادى وينكمش، يظهر ويغيب مع اتجاه محاكاته للضوء.. وكأنه العصا التي تذكِّر الإنسان بحركاته وبمواقعه.. وله أن يتفاعل مع قدميه كيفما تهيأت له نيَّتُه.. وإلا لماذا يختفي الظل في الظلمة المطلقة..؟
وللشعراء والمبدعين حوارات مع الظل حتى أنهم جعلوه الفاعل في توحُّدية الذات, وانعكاس خفاياها.. ومنحوه صوت النبض، وشكل الريشة، ولون المداد، وهيئة الضمير..
لكن الهاجس لا كيان له، لا يحده إطار صلد، ولا تنعكس له هيئة رسم.. يجول في الإنسان.. يتنقل بين عقله وقلبه، بين لسانه وصوته.. بين يده التي تمتد لفعل الكتابة بما يوحي أو الأداء لما يملي.. وبين قدميه اللتين تتجهان صوب ما يرسم.. وتجوب حيثما يوغل.. ليس له وقت.. لا يرافق في النور ولا يذوب في ظلمة.. الهاجس رفيق متسلط.. وتسلطه إما عن قناعة متبادلة بينه وبين ذات صاحبه.. فتوافقهما.. أو عن قسْر يحرك تمرد الذات وانبلاج الأخيلة فيها, ومن ثم استنفار الدروع الخفية في نفس صاحب الذات لمناهضته.. على أن الظل وقتي.. متى ما انزوى النور تحت خمار هجدته غاب، ومتى جاء حضر عند زوايا يتهادى فيها بهيكله.. أما الهاجس فمتابع لا يكل في أي وقت.. ولا يميز بين هجدة أو يقظة.. كما أن الظل ينتهي في أوانه.. أما الهاجس فيستشرف في بيانه..
فما تحملون مع ظلالكم.. وأنتم في النور..
وما تفعلون مع هواجسكم وأنتم طلقاء مع الوقت..؟