حاوره - فيصل الحميد - تصوير - حسين الدوسري
يذهب البعض إلى أن انتشار ظاهرة الشفافية وكبح الفساد يعتمد في الأساس على وضع تشريعات عقابية على الفساد وآليات لتنفيذ تلك التشريعات، ومع التسليم بأن مثل هذه التشريعات لا بد منها لرفع مستوى النزاهة والشفافية، إلا أنها ستكون قاصرة العطاء بدون روافد تساعد في تطبيقها وتلقي الضوء على مختلف جوانب الظاهرة. فالتشريعات ما هي إلا آليات تسعى إلى تنفيذ أهداف عامة في تطبيقات محددة، لن يكون في استطاعتها وحدها تحقيق جميع الأهداف المرجوة.
بهذه الكلمات خط قلم صاحب فكرة جائزة (سعفة القدوة الحسنة) الأمير تركي بن عبدالله بن عبدالرحمن آل سعود وهو يتوج مشروع بدأ كبذرة لينتهي بالتتويج من قبل صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض الاثنين الماضي.
ويبين الأمير تركي ل(الجزيرة) أن فكرة إنشاء جائزة (سعفة القدوة الحسنة) جاءت بعد أن لمس اختفاء كثير من القيم المضيئة وخاصة في قطاع الأعمال في المملكة حتى عن السعوديين أنفسهم فضلا عن غيرهم، وقال: (قررنا المضي قدما وعملنا لإظهار الجائزة لإبراز الصورة المضيئة للمملكة، ووضع قدوة حسنة للجميع، ولتكون هناك وسيلة تنمي روح النزاهة والشفافية في المجتمع والمؤسسات).
وكشف الأمير تركي بن عبدالله أن الجائزة كادت أن تؤجل حتى العام القادم بسبب ضيق الوقت من جهة ولإعطاء المؤسسات الفرصة للمشاركة والدخول في التقييم من جهة أخرى، حيث لم يتم العمل إلا في الصيف الماضي, ولكن الجهود وحرص القائمين والرغبة في إخراجها وإبرازها بصورة سريعة مكن من إقامتها هذا العام.
وأبان الأمير تركي أن الجائزة اقتصرت هذا العام على منشأة واحدة ومجال واحد ولكن قد تتطور في الأعوام المقبلة لتشمل أكثر من محور وأكثر من فائز.
الأمير تركي بن عبدالله بن عبدالرحمن آل سعود رئيس اللجنة التأسيسية للجائزة خص (الجزيرة) بحوار خاص عشية حفل توزيع الجائزة، تحدث فيه عن الجائزة وفكرتها ورؤيته للنزاهة في المملكة فإلى النص:
* سموكم صاحب فكرة جائزة (سعفة القدوة الحسنة) فكيف جاءت الفكرة ولماذا؟
- في الحقيقة أنا لا أملكها الآن ولا أدعي فيها فضلا، الفكرة مطورة من جميع النواحي سواء في أفراد مؤسسين قضوا وقتهم وجهدهم، وجاءت بعد أن لمسنا في البلد كثيرا من القيم المضيئة ولكن قد تخفى على الكثير حتى السعوديين, فما بالك بغيرهم، ودائما الصورة الموجهة لنا من العالم الخارجي غير جيدة، فحاولنا إبراز المواقف المضيئة للمؤسسات، وفي نفس الوقت نمكن من يريد أو يرغب أن يستفيد من الشفافية في صنع القرار. إننا نمكن من نشر الوعي ومساعدته في عمل اللازم من الداخل، لكي تكون عملية صنع القرار جيدة.
* ما تصنيفكم للجائزة؟
- الحقيقة الجائزة هي أحد الأنشطة المهمة للقدوة الحسنة، والجائزة بحد ذاتها وسيلة وضعت لإلقاء الضوء على الأدوار المضيئة للمؤسسات في المملكة سواء حكومية أو غير حكومية، والتي تمارس قدر كبيراً من السلوك الأخلاقي في تعاملاتها وفي طريقة صنع القرار.
* عندما نقول جائزة فهذا يعني أن أهداف وضعت للوصول إلى شيء ما، وهذا يقودنا إلى السؤال عن أهداف الجائزة.. فما اهدافها؟
- أنا متأكد من وجود الكثير من ذوي النوايا الطيبة والصالحة ولكن أحيانا لا يضمنون من صنع القرار بعد أن يخرج منهم انه يحتفظ بقيمته العادلة حتى النهاية، وهذه لا بد أن يكون لها إجراءات وضوابط داخلية.
ونحن نريد أن ننشر الوعي بقدر المستطاع، وتوجد مؤسسات كثيرة تعمل بالداخل والخارج ومن الممكن باستخدام قدوة حسنة سيستطيعون العمل بفعالية أكبر.
وأحب أن أوضح أن الهدف ليس الجائزة, فهي وسيلة إلى تنمية روح النزاهة والشفافية في المجتمع والمؤسسات، وإبراز الصورة المضيئة للمملكة في خارج المملكة.. في الخارج نقرأ عن الصور السلبية وكأن البلد بدون جانب مشرق، والآن نريد أن ننافس بأمثلة مضيئة.
* لا بد أنكم وضعتم معايير خاصة لنيل الجائزة فما ابرز تلك المعايير؟
- التنظيم الداخلي والمعايير للقدوة الحسنة وضعت بدقة كاملة وقد استفدنا من خبرة العالم في هذا المجال، ووضعت بشكل واضح وشفاف ولجميع المتقدمين على حد سواء، وضعت أوزان المعايير بشكل صريح، وكلها تدعو إلى تطبيق مبادئ النزاهة والشفافية في المؤسسة، وكذلك صلاحيتها لتكون قدوة للآخرين.
* الجائزة وهي الأولى من نوعها وتقام أيضا هذا العام للمرة الأولى واقتصرت على فائز واحد فهل ستبقى كذلك أم ستتطور من عام لآخر؟
- نعم هي أول جائزة ونتوقع في المستقبل أن تتطور وتصل إلى جوائز، وقد تشمل نماذج عديد من مختلف المجالات، وبما أنها أول جائزة ونظرا لضيق الوقت ورغبتنا في إخراجها لإبرازها بصورة سريعة وواضحة وتأصيل الفكرة حصرناها في المؤسسات وفي جائزة واحدة.
* هل يمكن أن يغير أحد (ما) سير الجائزة، بحيث تذهب إلى جهة مجاملة من القائمين عليها؟
- أولا أحب أن أوضح أن لجنة منحة الجائزة.. لجنة مستقلة حتى عن مجلس الإدارة, ومكونة من أشخاص لهم سمعة كبيرة ومعروفين في نزاهتهم ومهنيتهم، ولا يرقى إليهم الشك، الأمر الآخر قراراتهم نافذة لا يستطيع أحد أن يعترض عليها أو أن ينقضها، بما في ذلك مجلس إدارة الجائزة.
ولا أنسى أن أوضح أن أعمالهم أيضا تتم بكل سرية.. واصدق القول أنني حتى هذه اللحظة (عشية منح الجائزة) لا اعرف من هو الفائز؛ لأن الجائزة لا تعلن إلا في وقتها ونحن لا نملك أن ننقض القرار فتعليمنا تحصيل حاصل.
* كلامك يعني انه ليس من المعقول أن تمنح جائزة للنزاهة من غير نزاهة؟
- صحيح ولكن أحب أن أوضح نقطة مهمة حتى لا يكون هناك لبس مستقبلا، فيمكن أحيانا وجود مؤسسات صالحة جدا لأن تكون قدوة حسنة لكن أثرها قليل على المجتمع بمعنى أنها غير مرتبطة بشكل مباشر وبالتالي قد تذهب الجائزة لمؤسسة أخرى، ونحن في النهاية هدفنا أن نكون للآخرين.
* عندما بدأت فكرة الجائزة هل أخذتم برأي المؤسسات؟
- نحن نعمل بشفافية ونحن منفتحون على جميع الشرائح ونتفاعل معهم ونتوقع منهم الإدلاء بمقترحاتهم.
صحيح أننا شاركنا كمؤسسين وصحيح أننا جلبنا أحد بيوت الخبرة العالمية، ولكن أيضا عرضناها على شرائح عديدة، من أعضاء في مجلس الشورى، وبعض كبار رجال الأعمال، وعدد كبير من الكتاب والمفكرين وكلهم أثرونا وحسنوا من وضعنا.
* تتضمن معايير الجائزة -أو تكاد تكون- هدف الجائزة إبراز الشفافية فهل هذا يعني أننا نعاني حقيقة من ضعف في الشفافية؟
- أنا أريد أن أركز على نقطتين.. أولا عدم الشفافية غير مختص ببلد واحد أو ناس معينين، فهذه منتشرة في كل مكان في العالم، وهي موجودة ولا يوجد أحد يستطع أن يجتثها من جذورها هذه ناحية.
النقطة الثانية مبادئنا الإسلامية وثقافتنا وتقاليدنا في أصلها وجوهرها تدعو إلى النزاهة والشفافية، ولا أعتقد أننا أتينا بجديد.. فالنزاهة موجودة.. نقرؤها في القرآن والسيرة.. اقرأ سيرة الخلفاء.. تجد أمثلة ناصعة. نحن لا نريد أن نستردها لا نريد أن نخلقها هي موجودة نريد أن نعززها.
* إذن لماذا نشتكي من ضعف الشفافية؟
- الشكوى هي الشكوى الموجودة في كل بقاع العالم، أنت الآن إذا ذهبت إلى أمريكا هناك من يشتكي من عدم وجود الشفافية، إذا ذهبت إلى الشرق كذلك، وأيضا في عالمنا العربي، فهي موجودة في كل مكان، والناس تحاول التخفيف من آثارها.
* بجوابك هل يعني انك تنظر إلى النصف المملوء من الكأس؟
- نحن دائما في اتجاهنا بالكامل القدوة الحسنة والاتجاه الايجابي، نحن نعتقد أن الأمثلة السيئة وهذه الأمور الحكومة جزاها الله خيرا تولتها وسنت لها القوانين وهي التي تملك التشريع والتحقيق والبحث، نحن فقط ننظر إلى الجانب المضيء الذي يحتاج إلى الدعم والتشجيع. وعندنا ثقة كاملة بالحكومة، وهي تقوم بالدور المطلوب، لو أعد لك القوانين التي أصدرت فسأعد مجموعة كبيرة جدا كلها تصب في المصلحة.. قوانين محاربة الغش وحماية المستهلك وغيرها.
* هناك لائحة شرف للمؤسسات، وقد فاز هذا العام بها ثلاث جهات حسب ما أعلن، فهل هذا تكريم أم مجاملة؟
- لا ليس مجاملة ودعني أقول إن مجرد الوصول إلى اللائحة يعطينا دلالة واضحة أن هذه المؤسسات قامت بتطبيق الشفافية والنزاهة في مؤسساتها تطبيقاً عالياً جداً.
ومجرد الوصول إلى قائمة الشرف هو شهادة مجموعة من نخبة المجتمع مشهود لهم بالشهادة، درسوا وتفصحوا المؤسسة، وأن المؤسسة تطبق معياراً عالياً من النزاهة، ولكن بما أن الجائزة واحدة ولمنشأة واحدة فمن العدل أيضا أن يكون هناك تكريم للمؤسسات الأخرى.
* تشريف سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز للجائزة ماذا يعني لكم؟
- وجود الأمير سلمان تشريف وتتويج لجهودنا وكذلك معالي الدكتور صالح بن حميد، ويهمنا أن يكون الحضور في مستوى الرعاية ومستوى الجائزة، ونحن حرصنا أن تكون دعوة شخصية ومحددة في كبار المسؤولين في الدولة، سواء كانوا وزراء أو كبار المسؤولين، ونخبة من رجال الأعمال الذين يهتمون بمثل هذه الأمور، وكذلك عدد كبير من المفكرين والكتاب والإعلاميين، فنحن يهمنا نشر ثقافة الشفافية والنزاهة، والحضور رفيع المستوى للجائزة في عامها الأول سيجعل المجال أكبر وأخصب لتطبيق هذه الأمور في مؤسساتنا. وحضور الأمير سلمان له معانٍ كثيرة، وهو دائما سباق إلى الاهتمام بالقضايا الرئيسة التي تهم المجتمع، وأعتقد أن حضوره تتويج لكل الجهد.
* الجائزة كادت أن تؤجل هذا العام لماذا؟
- نحن عملنا الجائزة في أوائل إجازة الصيف، وتعرف الجميع خارج المملكة بالإضافة إلى أن الصيف هذا العام صادف شهر رمضان المبارك، لذلك رأى البعض أننا لا نستطيع أن نقدم الجائزة هذا العام، واقترح أن نؤخرها إلى السنة القادمة، ولكن الجهد الجيد جدا من الإخوان المتعاونين والإصرار على إخراج الجائزة كان كبيراً، عملنا في كل الوقت وبذلنا الجهد، وتمكنا إلى الوصول إلى عدد كبير من المؤسسات الحكومية والخاصة اللامعة، والحمد لله قررنا إقامتها وأعلن عن موعد التتويج. ولعل البعض لم يحالفه الحظ في التقديم، وبعضها لم يقدم بشكل جيد يعكس الواقع الجيد ومحتوى المؤسسة نظرا لقصر المدة، لكن نتوقع منهم في السنوات القادمة أن يتقدموا وأن يفوزوا.
* الأزمة المالية الحالية هل يمكن أن تؤثر على الجائزة؟
- الموضوع ليس له علاقة بالأزمة الاقتصادية.. نعم الأزمة تؤثر بكل شيء. ولكن لا أعتقد أن لها علاقة مباشرة بسير آلية الجائزة.. نحن كنا سنمضي في هذه الجائزة بغض النظر عن الوقت، ولا أعتقد أنها ستزيد كثيراً أو تنقص كثيراً من قيمة وهدف الجائزة؛ لأنها جائزة لها هدف واضح وآلية واضحة محددة ومعينة، وصعب أن الأمور الخارجية ستؤثر عليها.
* بما أن الحديث عن الأزمة المالية كيف يراها الأمير تركي بن عبدالله وتأثيرها على المملكة؟
- بلا شك أن العالم، مع تطور وسائل الاتصال والتقنية، والعولمة، أصبح أكثر تشابكا وترابطا من أي وقت مضى، ولا اعتقد أن أحدا يستطيع الإقرار بحجم الأزمة، وهي تتفاوت من مكان لآخر، والأزمة لم تنته بعد ولا أحد يستطيع تقدير حجم المشكلة، هي لا زالت في فورة والتوقعات لا يركن إليها، إلى أين ستذهب وماذا سيحدث، وأرى جهودا كثيرة منصبة على معالجة الأزمة والتحكم فيها والتخفيف من آثارها، وقمة العشرين إحدى آليات الحلول. والحقيقة لا يستطيع عاقل أن يقول سيحدث كذا أو كذا فهي لا تزال في مرحلة الفوران، نحن نشد الأربطة ونتوكل على الله ونعمل ما نستطيع.
*.. وتأثيرها على المملكة؟
- أنا أعتقد أننا بأمان من الأزمة ومهما كان الأثر فنحن أقل من غيرنا، ولم نر آثاراً بشكل مباشر سوى سوق المال والأخير هذه طبيعته قد يتأثر بشكل سريع من أشياء بسيطة.
* ما توقعاتك لما ستفرزه الأزمة؟
- كل مصيبة لها جانب آخر، ولولا الأزمات لما صار النجاح، فالأزمات تعلم والمصائب تعلم، والتاريخ الإنساني والتجربة الإنسانية هي في الحقيقة مجموعة تجارب، وأعتقد أنه لا بد أن تؤثر بشكل آو بآخر وقد تغيرت أشياء كثيرة، فكما قلت الأزمات تعلم.
* هل من كلمة أخيرة؟
- أولا أشكر (الجزيرة) على حرصها وهي دائما سباقة لإبراز الجديد والصور المضيئة في مجتمعنا، ولا أقول ذلك مجاملة ولكنها حقيقة. وآمل من جميع وسائل الإعلام أن تلقي الضوء على المؤسسات الفائزة في الجائزة ليس للجائزة وإنما لإظهار وإبراز القدوة الحسنة. نأمل من الجميع أن يكون كذلك.