ما أقسى فراق الأحبة الذين نحن بحاجة دائمة إلى مصافحة صفاء قلوبهم والشعور بالاطمئنان في فضاء تفاعلهم معنا.. وما أصعب انطفاء شمعة في ليل أليل غابت نجومه حزناً وأسى، وغشيه الخوف والترقب.
بل ما أشد الألم في محاولتك وصف شعورك حيال هذا الفراق المر، فتجد نفسك أمام قلبك عاجزاً عن ترجمة ما يجول في داخلك وما يهز كيانك فتصبح كطائر مقصوص الجناح حرم نعمة الطيران التي هي روحه وحريته ليبقى أسير جرحه وعجزه!
نعم هنا تبكي العبارات, تنزف الكلمات وتُذرف الدموع حزناً على ذلك الحبيب الذي فقدناه لأنه كان يتلألأ تلألأ الكوكب المنير في علياء السماء، ويلمع لمعان شرارة البرق في الليلة الظلماء وهل يكفي أن يبقى خالداً في قلوبنا صدى للأيام والسنين التي ملأها بحبه وكرمه وطيب خلقه؟
إنه عمي الراحل الكريم أبو كريم عبدالله بن عبدالرحمن العريفي فلا عجب ولا غرو إذا اغرورقت عيناي بالدمع، أو عجزت العبارات وأنّت الكلمات، أو اكتوى وجداني بالأسى، أو أحرقت حدقاتي اللوعة.
عمي الغالي: احتويتنا بحبك وحنانك وكرمك وعطفك فلامست شغاف القلوب وسكنت مُهج الروح وأحسسنا معك بدفء الفؤاد.
يا بياض القمر ونور البصر إنه القضاء والقدر.. وقد رضينا بما قدره رب القضاء والقدر.. رحيلك قدر من أقدار الله فرحمك الله وعظم الله أجرنا في مصيبتنا.
يا أبا كريم: الحال من بعدك ليست هي الحال، وكيف هي الحال وقد فقدنا من كان يسعد الحال؟
الناس من بعدك أبا كريم ليسوا بناس، وكيف هم الناس وقد فقدنا أعز الناس؟
ثم كيف بهؤلاء الناس من حولي وقد نسج الحزن على وجوههم غبرة سوداء من الحزن عليك، وأصبحت قطرات الدموع تسقي وجناتهم حتى حفرت فيها الأخاديد؟
عمي الحبيب: ما هي إلا لحظات وفارقت الحياة بكل هدوء.. خرجت من الدنيا كخروج الودق من السحاب، والدمع من الأعين، بلا سابق إنذار.
لكنك لن تعلم ماذا حصل عند رحيلك.. لقد بكاك الأهل والإخوان والخلان، وبكاك قوم أكثر لم نعرفهم إلا عند رحيلك، أسَرَهم معروفك وإخلاصك في عملك وحبك لمساعدة كل محتاج، وطوَّقهم جميلك وأريحيتك وحسن خلقك.
فها أنذِي أشكي شكاة البائس، وأئن أنّة المحزون، وقد فاضت أدمعي قطرات أحرقت وجنتي.. واحتبس الأسى مرارة العلقم في حلقي، ولا أملك إلا أن أقول: وداعاً يا قلباً استقت من حبه الجداول والغدران.. وإلى لقاء بإذن الله في فسيح الجنان ففي قلبي لك دوماً شمعة مودة لم يستطع الموت أن يطفئها!
ابنتك التي فقدتك جسماً ولم تنسك وفاء وعرفاناً.