مع تغيير متطلبات العملية التعليمية - في مجتمع متغير- اختلفت ثقافة المؤسسة التعليمية حيث تسود فكرة (استثمار التعليم) الذي يقوم على أساس الموازنة بين المدخلات والمخرجات. هذه النظرة الاقتصادية تحقق فكرة الارتقاء بعناصر العملية التعليمية التي يقابلها الارتقاء بمستوى إنتاجية المجتمع وتحقيق رفاه فهو (مردود محقق).
ويقول خبراء اقتصاديات التعليم أن تحقيق هذه الموازنة المحسوبة والمتوافقة ما بين المدخلات والمخرجات تنهض على التحقق من ركيزتين أساسيتين هما (العدالة) و(الكفاءة) حيث تمثل العدالة مبدأ التكافؤ في فرص التعليم أي أنه يخضع لإستراتيجية (عدالة التعليم) و(التعليم للجميع)، بينما تمثل الكفاءة الارتفاع النمائي لمستويات المهارات والمعارف والخبرات أي أنه يخضع لإستراتيجية (الجودة).
فإذا ما تحققت هاتان الركيزتان تحققت (القيمة الاقتصادية للتعليم) ومن هذا المنطق يدخل التعليم في مخططات التنمية الوطنية في منحاها الاقتصادي والاجتماعي، فالتعليم مدخل تنموي، والارتفاع بمستوى المعيشة وأنماط السلوك والأمن القومي مخرج تنموي، فثمة علاقة موجبة بين التنمية الاقتصادية والتنمية التربوية من خلال مؤشرات الجودة والفعالية والكفاءة.
والإجراءات المطلوبة في هذا الصدد من وجهة نظرنا هي: ضرورة إعادة النظر في لوائح الإدارة الدرسية بما تتضمنه من أسس انضباطية تستهدف تنظيم العمل في كافة مجالات العمل الفني والإدارة لضمان حسن مخرجات العملية التعليمية التي هي الهدف التنموي التطويري الإستراتيجي شريطة أن تكون لائحة متطورة توضع من قبل اختصاصيين ذوي خبرة عالية في المجالات التربوية والتعليمية والإدارية عبر استخدام أساليب التقنية الحديثة بما فيها تقنية المعلومات. مع الوضع في الاعتبار أن المعلم هو محور العملية التعيمية وأنه أساس الجودة وعن طريقه يتحقق أفضل مستوى من المخرجات وعكس ذلك يرجع إلى أمراض الإدارة، وضعف النظام اللوائحي وغياب المحاسبة، وتدني سياسة التحفيز (سلباً وإيجاباً).
ومرة أخرى نقول إن إثراء ونهضة وجودة العملية التعليمية وتطويرها والمضي بها قدماً هو المعلم.. على الرغم من أنه ليس لدينا قياسات محددة لخصائص المعلم الذي قد يرجع ذلك إلى أنها غير محددة تماماً، وأنها ذات حجم كبير، وأنها ليست جامعة مانعة. ومردود ذلك - بالطبع- التباين في منهجية تحسين الجودة، والمفارقات في نظم التحفيز - وتصلب النظام الإداري، والجمود عند قرارات غير مرنة والمعالجات الفردية، ورفض الحلول الموضوعية والميدانية، وحتى لا يكون الرأي لدينا ضبابياً فنستعير من نواتج دراسة (السلوك الإداري) (محمد شمس الدين) أن تحقيق التطوير والنهوض بمستويات الجودة في التعليم في عالمنا العربي المعاصر أمر بالغ الصعوبة والعسر، فضلاً عن المقاومة الشديدة والحادة لنظام قائم غير قابل للتنازل عنه تحت دعوى التغيير حتى ولو كان من أجل التطوير خوفاً على المركز والمكانة، حتى ولو كان من أجل تعزيز عنصر فني أكثر قدرة ومهارة وكفاءة، ومن هنا تتصلب الإدارة (نظاماً) وتشدد (سلوكاً) وترتد (أداءً)، وبعد ذلك تهوى بمكونات العملية التعليمية (المادية والبشرية).
وهذا يتطلب المزيد من الاهتمام بالتأهيل وإعادة التأهيل العلمي والفني ليس للمعلم وفقط من أجل رفع مستوى الكفاءة والجودة ولكن لعناصر الإدارة التعليمية والتربوية كذلك مع وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، وتفويضه في اتخاذ بعض القرارات الإدارية ونفاذها في المناخ المدرسي واتخاذ إجراءات تعزيز السياسات الإدارية في بيئة المؤسسة التعليمية وتحسين الأداء المدرسي، وفي هذه الحالة يتوجب مكافأة المؤسسة التعليمية الأكثر تميزاً. ونظراً لأن التفويض مسؤلية فمن أجاد فحافزه إيجابي ومن أساء فحافزه سلبي، فإما أن يجيد أو يتخلى لأن الأداء الجيد أمر مطلوب في هذا الصدد للتحول من فكر بيروقراطي انعزالي إلى الانفتاح إلى حركة الحياة والتغير الهادف لرفع معدلات فعالية المؤسسة التعليمية.
ومن الفعاليات الرئيسية الوقوف على أساليب العمل التي ثبت عدم جدواها والمطلوب التخلص منها بتغييرها لما هو أنسب وأجدى، ومثال ذلك أن عملية الامتحانات بالمرحلة الأولى انتهت يوم 30-6-1429هـ تقريباً ثم طلب من معلمي ومعلمات إداري وإداريات هذه المرحلة بعد انقضاء الامتحانات الاستمرار من أجل تجهيزات الدور الثاني في مدارس نسبة النجاح فيها بلغت 100% مع العلم أن نسبة 80% من مدارس مدينة الرياض هذا حالها، وطلب من جميع معلمين ومعلمات وإداريي وإداريات المرحلة ضرورة المداومة من الصباح حتى قبيل صلاة الظهر.. لما؟ لا لشيء سوى الالتزام بقرار واجب الامتناع وإني لأراه تعسفاً وقتياً في استخدام السلطة، وعدم مرونة في التعامل مع القرار، ومن وجهة نظر اقتصاديات التعليم كما أسلفنا القول إنها إهدار لصحة ونفسية ومال العاملات بالذات العائدات على الرغم منهن لأنه عود لا طائل من ورائه - فهي إجازة يجب أن تتمتع بها لتمحو عنها هموم الزمن وتحيل عن نفسها الملل - ولكي يستمتع بوجودها الأبناء أو لكي تذهب مع زوجها لقضاء فترة الإجازة سواء داخل المملكة أو خارجها، ومنهن الحامل أو المريضة التي ترغب في التوجه حيث يوجد العلاج في الداخل أو الخارج، أو تواصل صلة الرحم بزيارة أهلها الذين يعيشون في منطقة أخرى غير منطقة عملها، فلما العودة مادام لا يوجد عمل؟ ولما المشاق ما دامت الراحة واجبة ومطلوبة لاستعادة النشاط حين العودة للدراسة، أردت به مثلاً لحتمية التفويض في اتخاذ القرارات شديدة الخصوصية وليست العامة.