شهدت المملكة العربية السعودية في الثلث الأخير من القرن العشرين تحولات اجتماعية سريعة نتيجة ما يسمى بالطفرة الاقتصادية ولما كانت القصة القصيرة من أهم الأجناس الأدبية الحديثة التي ارتبطت بالتحولات المعاصرة للإنسان في القرن العشرين، هذا القرن الذي بدأ يعرف حياة متقدمة سريعة بفضل التطور التقني والعلمي والصناعي، الأمر الذي جعل الإنسان يعيش في دوامة من الاضطرابات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
ومن جراء ذلك هاجر الإنسان حياة الفطرة والبساطة، وابتعد عن نقاء الريف والطبيعة لينتقل إلى المدينة التي ألغت التأمل والبطء في التفاعل مع الأشياء ليجد الإنسان نفسه في شرك التغيرات التي تستوجب السرعة في التكيف والتأقلم مع مستجدات العالم الموضوعي.
وقد صاحب هذه التحولات الاجتماعية حركة أدبية ناهضة سعى من خلالها الأدباء لتحقيق شيء من التوازن بين قيم الإنسان الثابتة والتطورات الجديدة. وقد تنوعت الأجناس الأدبية التي أنتجها الأدباء في هذه الحقبة، فكان الشعر هو الذي أخذ صفة الريادة في ذلك الوقت ثم جاءت القصة القصيرة، ثم تطورت الرواية في أواخر القرن الماضي وبداية القرن الواحد والعشرين، والمتأمل للخطاب النقدي الموازي لإبداع الأدبي يلحظ أن النقاد قد اهتموا في بداية الأمر بالشعر والشعراء، ثم تحولت أنظارهم على الرواية حينما أخذت تزاحم الشعر على الصدارة. وبالتالي فإن القصة القصيرة لم تحظ بما تليق به من اهتمام نقدي.
وهذا الحيف بحق القصة القصيرة ليس ظاهرة محلية فحسب وإنما هو تقصير في النقد العربي بمجمله. وقد جأر شيخ النقاد في مصر الأستاذ محمود أمين العالم معترفاً بتقصير النقد العربي، فإذا كان للنقد الأدبي العربي بعض المساهمات الجادة في مجال الرواية والشعر والمسرحية، فما أقل مساهماته بشكل عام في مجال القصة القصيرة، لا يرجع هذا في ظني إلى ضآلة حظ الإبداع العربي في القصة القصيرة من القيمة، وإنما إلى تخلف مناهج النقد الأدبي العربي، وتخلف تقنياته في مجال القصة القصيرة بوجه خاص. فأغلب ما كتب عن القصة القصيرة العربية لا يخرج عن أن يكون إحصاء أو متبعة تاريخية، أو تفسيراً للمعاني، أو إصدار الأحكام العامة، ونكاد نفتقد الدراسة التحليلية التفصيلية العميقة. أربعون عاماً من النقد التطبيقي ص 90.
إن هذا الإحساس بتقصير النقد تجاه القصة القصيرة دفع النادي الأدبي في القصيم لكي يجعل موضوع ملتقاه الرابع الذي يقام هذه الأيام القصة القصيرة التي هي في حاجة ماسة لمراجعة نقدية تسبر هذا المنتج وفق رؤية منهجية موضوعية شاملة تبرز سمات وخصائص هذا المنجز الإبداعي وتكشف عن قيمه الفنية والتعبيرية. والنادي يسعى من خلال هذا الملتقى للقيام بواجبه إيفاء لحق كتاب القصة القصيرة الذي أضافوا كنوزاً من الإبداع إلى منجزنا الأدبي.
وإن من الإنصاف أن أشير إلى بعض الدراسات التي رصدت النتاج القصصي في السعودية ككتاب فن القصة في الأدب السعودي الحديث، للدكتور منصور الحازمي، وكتاب القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية لسحمي الهاجري وكتاب النثر الأدبي في المملكة العربية السعودية للدكتور محمد الشامخ. وكتاب القصة القصيرة المعاصرة في المملكة العربية السعودية: دراسة نقدية للدكتور محمد صالح الشنطي.. وغير ذلك من الدراسات الجادة، لكن هذه الدراسات تنزع نحو الرصد التأريخي، أو تصنيف القصة القصيرة بحسب الاتجاهات، ولم تتعمق في التناول التطبيقي الذي يكشف عن سمات النتاج القصصي. ونطلع إلى أن تنهض بحوث هذا الملتقى للوفاء بهذا الجانب التحليلي الذي تفتقر إليه المكتبة النقدية المحلية.
لقد تعرضت القصة القصيرة في الغرب إلى تهديد حقيقي بالانقراض في ظل تحدي بقية الأجناس الأدبية لها، وخرجت لأجل إنقاذها الأصوات تنادي بدعم هذا الفن وكتابته على حد سواء، فهل تفلح مثل هذه الملتقيات في إعادة القصة القصيرة إلى الأضواء وجعلها تحت مجهر النقاد؟، هذا مما يهدف إليه النادي الأدبي حينما يخصص ملتقاه الرابع للقصة القصيرة.
drhamad79@hotmail.com