ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن المطر ولن تكون الأخيرة وكيف لا أكتب عنه وفي قطراته تختبئ قصص وتتوارى أخبار؟ وكيف لا أكتب عنه وقد أجهدني التفكير والتأمل فيه وفي علامة استفهامه الكبرى التي لا نتبين فيها مشاعرنا ولا ندري أحزن هي أم فرح؟ أأمل أم ألم؟ إنه المطر وله في قريتنا قصص أرويها لكم كما عشتها وكما رويت لي ولكل واحد منكم مع المطر قصص..

في تلك القرية حين تتعانق الجبال بالغيوم تنهمر دموع السماء فرحاً بلقاء وسعادة بعناق فتنساب تلك الدموع في أخاديدها ينال خيرها كل ما مرت عليه لتخبرنا أن المحبة خير وخير ما فيها عناق المحبين..

في قريتنا حين يهطل المطر تومض البروق وكأن طرف السماء يغازل حسن الأرض وتزمجر الرعود مهلّلة مسبّحة باسم ربها مباركة هكذا لقاء...

في قريتنا حين يهطل المطر وتسقي السماء الأرض تبعث الأرض قطرات شكرها للسماء مصحوبة بدعوات أن يعم خير المطر.. في قريتنا حين يهطل المطر يشمر الفلاح عن ساعده مرحباً بخير السماء فاتحاً أبواب مزارعه لاستقبال وافد الخير يسقي أرضه ويرعى زرعه..

في قريتنا حين يهطل المطر يتهادى العشاق قطراته ولو أبعدتهم المنازل ويبعث كل حبيب لحبيبه قبلة مع كل قطرة ويسكب كل مفارق على مفارقه دمعة مع كل قطرة..

في قريتنا حين يهطل المطر ترى الحسان يسترقن النظر من خلف أستار البيوت يرين الأرض تجرُّ وراءها فستان زفافها المطرّز بلآلئه وتخال كل واحدة منهن نفسها هي الأرض لها جمال تلك الأرض وحظ تلك الأرض وفستان تلك الأرض.. في قريتنا ترى الفتيان يغسلون همومهم وكدهم تعبهم وكفاحهم بقطرات المطر وينتظرون حظهم ورزقهم مجلوباً مع كل قطرة من قطراته.. في قريتنا حين يهطل المطر ترى المسن يذكر بالأمس كيف كان يهطل المطر وكيف كان ينبت الزهر وكيف كانت حياته كقطرة مطر نزلت سريعة ثم عانقت الأرض وها هي تتلاشى في أودية الحياة حتى يستقر بها مستقر.. وترى الكهلة تسمع حديث الأرض تخبرها: يوماً كنت حسناء وكان يهطل المطر، وكنت عاشقة وكان يهطل المطر، وكنت أماً وكان يهطل المطر، وها أنت تحملين من الذكريات كما يحمل المطر... في قريتنا حينما يهطل المطر ترى الصبية يصرخون مطر.. مطر.. وأنا ما زلت أرقب كل هذا ولا أدري أي شيء يبعث المطر؟..