عن جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، يقول وزير الثقافة والإعلام في تصريحه بعيد الجلسة: (وافق مجلس الوزراء على الترخيص بتأسيس شركة تطوير التعليم القابضة، ومن أهم أغراض الشركة تقديم جميع الخدمات التربوية الأساسية والمساندة وتطوير وإنشاء وامتلاك وتشغيل وصيانة المشاريع التربوية والقيام بالأعمال والأنشطة المتعلقة بذلك ويناط بها تنفيذ مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام وتنفيذ أية برامج تطوير إضافية).
هذا يعني أن الخصخصة أصبحت أفضل وأقصر وأسرع الطرق نحو التنمية والتطوير، للالتفاف على العوائق البيروقراطية، والانطلاق نحو غد (تعليمي) مشرق، بعيداً عن الجهاز البيروقراطي الذي هو في كل بلاد الدنيا، وليس في المملكة فحسب، بطيء في قراراته، وخصوصاً في مواكبة التغيرات العصرية.
والذي يكاد يتفق عليه (الوطنيون) في هذه البلاد أن جهاز التربية والتعليم الحكومي جهاز (مختطف) من قبل مجموعات مؤدلجة، لا يهمها التعليم، ولا التربية السوية، قدر اهتمامها بالعمل على أدلجة النشء. ولم نتنبه إلى هذه المجموعات التي تعمل بجد ونشاط لتنفيذ أهدافها الأيديولوجية إلا متأخرين؛ كما اكتشفنا - أيضاً - أنها متمكنة من مفاصل الجهاز التعليمي بالشكل الذي يجعل أي جهد، مهما كان مخلصاً وحازماً لانتزاع هذا الجهاز من براثن هذه المجموعات، يحتاج إلى تشريعات نظامية، وعمل دؤوب، يتطلب وقتاً ليس بالقصير، إضافة إلى أن هذه المجموعات ستعمل على إفشال أي إصلاح من (الداخل) طالما أنهم، سواء في المستويات الإدارية المتوسطة أو الأقل، هم الذين سينفذون أي تشريعات جديدة.
لذلك فإنني أرى أن إيكال (جميع الخدمات التربوية الأساسية والمساندة وتطوير وإنشاء وامتلاك وتشغيل وصيانة المشاريع التربوية والقيام بالأعمال والأنشطة المتعلقة بذلك) إلى (شركة قابضة) جديدة، بعيداً عن جهاز الوزارة البيروقراطي، وكذلك سيطرة الإيديولوجيين، هي خطوة هامة، ومفصلية، في الطريق الصحيح نحو تطوير التعليم.
ولأن الشركة الجديدة سيكون من نشاطاتها (امتلاك) وتشغيل وصيانة المشاريع التربوية، وعلى رأسها (تنفيذ مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام) كما جاء في تصريح معالي وزير الثقافة والإعلام، بعيداً عن البيروقراطية الحكومية، فإن أخشى ما أخشاه أن يتسرب الأيديولوجيون إلى هذه الشركة، ففرقة (الإخوان المسلمين) - مثلاً -، وكما تقول أدبياتهم علناً وبصراحة ودون أي مواربة، يعتبرون مجال التربية والتعليم (هدفهم) الأول، وأن السيطرة عليه، وعلى توجيه مناهجه، وأدلجة مخرجاته، أولوية بالنسبة إليهم؛ لذلك يجب العمل بكل حرص على أن يتولى إدارة وتشغيل هذه الشركة أناس تربويون متخصصون، لا علاقة لهم بالأدلجة، أو بالتوجهات التي جنينا منها ما نشهده من تدن واضح في مخرجات التعليم في العقود السابقة في بلادنا. وهذه نقطة جوهرية لكي لا نلدغ من ذات الجحر مرتين.
لقد عانينا طوال سنوات ماضية من سيطرة التيار المؤدلج على مفاصل التعليم في بلادنا، وذقنا من مناهجه ومخرجاته الأمرين، وكل من يقول غير ذلك هو إما مغالط أو مؤدلج، وحتى (نُفعّل) هذا القرار الهام الذي اتخذه مجلس الوزراء بموافقته على (خصخصة) التربية والتعليم، فيجب أن نكون في غاية اليقظة والحذر من أن يتسرب (الربع) إياهم إلى هذه الشركة؛ فنكون كما يقولون: (ننحاش من القوم ونطيح في السرية). إلى اللقاء.