دأب العرب حينما يعلمون لغتهم أن يمثِّلوا لقواعدها وصرفها وبلاغتها.., تماما كما يمثلون لحركاتهم وطرائق أفعالهم بل أقوالهم في مواقف التعليم والتدريب.., بل حتى عندما يعلم العسكري الجندي كيف يمسك السلاح ويطلق الزناد فإنما يدربه بالتمثيل عند مسافة ما وصولا لهدف محدد.., فالتمثيل تهيئة ذهنية وعضوية للسان ولليد وللقدم.. وتمتد لتبني منهجية التفكير ومن ثم التنفيذ.., تلك أساليب التعليم الصحيح لذلك جاء مفهوم الاقتداء جليا في سلوك الاهتداء عمليا في التربية الأصيلة النابعة عن معين لا ينضب من الحكمة..,
لي اهتمام بالغ بشأن تربية السلوك الفكري والحركي للإنسان.. ومرجعية كالتي تتجلى في كل أقوال وأفعال محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يوجد أوثق منها ولا أمكن بل لا أصح ولا أصوب.., وهي منهجية فطرية بدليل اتباع العربي ساريتها منذ يفاعة الصحراء وبكارة الخيمة وحداء القوافل وتتبع الأنواء..,
موقفان طريفان تذكرت بهما هذا الذي بسطت لكم عن التمثيل.., فقبل سنوات كانت ثلة من طالبات في الجامعة يحضرن ورشة عمل في الكتابة الأدبية.., قالت إحداهن: إن أستاذاتنا في المدرسة خير منهن في الجامعة, وجاءت إجاباتهن عن السبب كالتالي: منهن من قالت: لأن معلمة المدرسة تعطينا من الكتاب المدرسي ولا تخرج عنه, أما أستاذة الجامعة فغالبا ما تتحدث عن تجاربها أو تجارب غيرها.., ومنهن من قلن: لأن معلمة المدرسة لا تثقل علينا بأكثر مما قررته لنا (المناهج).., والمناهج التي يعنينها في تلك اللحظة هي كتب المقررات لا تخرجن عنها.. أما أستاذة الجامعة فلا تكفيهن المراجع القليلة ولا المحاضرة الطويلة.. والتي غالبا ما تتجرد عن آرائهن الخاصة والتمثيل بها..,
...هؤلاء أو بعض منهن دعينني لحضور ورشة عمل هن فيها قائمات على أمرها بعد أن حصلن على الدرجات العلمية وأردن الوفاء بدعوة بعض من أستاذاتهن.., كانت ورشة العمل أنموذجا للتمثيل بتجاربهن الشخصية يطعمن فيها المعلومة بآليات منهجية علمية اكتسبنها عند التحصيل.., تفاعلت معها الحاضرات.., وجاءت أسئلة المتدربات تترى إليهن: (كيف تعلمتن هذا النهج ففي التمثيل من الواقع ومن روافد الاكتساب ومنابع الخبرة ما قرب لنا المعلومة ونشط لدينا الدوافع).., أجابت بعضهن وكن هن أنفسهن اللائي قلن كلاما آخر قبل سنوات: (لقد استفدنا من خبرات أستاذاتنا في الجامعة لذلك لا نريد من المعلمات الحديثات أن يقلدن المعلمة القديمة في ذكر ما في الكتب المدرسية أو حصر أذهان طالباتهن بين أغلفة كتب المقررات التعليمية).
** إن التعليم إن لم يكن عن الاقتداء فإنه سيضل مسار الاهتداء..,
ربما وأنا أغادر ورشة التدريب التي دعيت لحضورها لم أتعجب بدهشة نبضي الذي استقر..