Al Jazirah NewsPaper Sunday  02/11/2008 G Issue 13184
الأحد 04 ذو القعدة 1429   العدد  13184
السلف تلف
عبد الله بن مهنا أبا الخيل

من نيو هامشر, ولاية جميلة تقع في القسم الشمالي الشرقي من الولايات المتحدة, يذهب إليها سكان الولايات القريبة منها هذه الأيام بكثافة ليس لجمال طبيعتها فحسب ولكن للتبضع أيضاً. فلا يوجد في هذه الولاية ضرائب على المبيعات مما يشكل نقطة جذب استهلاكي. الأمريكان معروفون بطبيعتهم الاستهلاكية ولن يدعوا الأزمة الراهنة تحد من هوسهم مادامت بطاقات الائتمان البلاستيكية تعمل. ولا غرر, فهم في عقر دار الرأسمالية التي تدين المجتمعات الاستهلاكية بالفضل لها. كتبت هذه الولاية فصلا مهما في كتاب الرأسمالية حين دخلت التاريخ الاقتصادي الحديث عام 1944 من خلال مؤتمر بريتون وودز الذي نتج عنه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. لكن الأهم في هذا المؤتمر هو توافق أعضاء الأمم المتحدة المشاركين في هذا المؤتمر على الرأسمالية كنظام اقتصادي عالمي.

كان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ذراعا قويا لنشر هذه الأسس على الاقتصاديات النامية مما عزز سيطرة الدول الصناعية على الاقتصاد العالمي وكرس تبعية الدول النامية لها.

وقعت الطبقة الوسطى في المجتمعات الصناعية بين سندان المحركات الإعلامية المروجة للسلع الاستهلاكية ومطرقة البنوك التي خلقت بدعة الائتمان والدين الميسر مما خلق مجتمعات تلهث وراء ما تحتاجه وما لا تحتاجه من سلع معتمدة على سهولة الاقتراض والتشجيع عليه.

أثر نمط الحياة هذا على قوة ومتانة الطبقة الوسطى إذ إنها أصبحت مدينة بالجملة ويكفينا أن نعرف أن في الولايات المتحدة, أكبر الاقتصاديات العالمية, تبلغ قيمة الديون والذمم الخاصة على المؤسسات التجارية والأفراد ضعفي قيمة الاقتصاد الأمريكي أو تزيد.

أليس غريبا أن الكل مدين؟ أين يذهب الإنتاج ولم الحاجة للدين. لكن إذا انتبهنا ان ازدياد الطلب على القروض يعني ازدياد أرباح البنوك والمؤسسات المالية من جهة ويؤدي إلى ازدياد القوة الشرائية الكاذبة للمستهلكين وبالتالي ازدياد الطلب على المنتجات الاستهلاكية وازدياد أرباح المنتجين لها ومن ورائهم المحركات الإعلامية. بمعنى آخر أن الأغنياء يزدادون ثراءً على حساب الطبقة الوسطى وهنا الخطورة فالطبقة الوسطى هي عماد الاقتصاد في أي مجتمع.

لا يمكن لوم الأغنياء على محاولة تنمية ثرواتهم ففي النهاية تعتمد العقيدة الرأسمالية على تشجيع رؤوس الأموال على التجارة الحرة مخففة من القيود الحكومية لأقل درجة ممكنة ومعتمدة على لمعان الذهب الأصفر في تحفيز وازدياد الإنتاج، ولا يمكن تجاهل ما حققته الرأسمالية من ازدهار وتطور لمعتنقيها, لكن الأرض لا تدور للأبد.

همسة: النظام المادي لا تحكمه أخلاقيات. نهانا الشارع الحنيف عن الاستدانة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من المأثم ومن المغرم، أي الاستدانة. وإذا ابتلي المسلم بالدين فإن في مصارف الزكاة مصرفا للغارمين، أي المدينين.

(*)عضو الهيئة الوطنية للسلع الآجلة NFA الولايات المتحدة الأمريكية



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد