وصلت أعداد محلات الحلاقة في مدينة الرياض إلى ثمانية آلاف محل يديرها ويعمل بها وافدون!
توقّفت ملياً أمام هذا الرقم الهائل، في الوقت الذي تشغلني بطالة شباب وطني، وتساءلت: هل لدينا بطالة؟ أم عطالة ؟! في ظل الشكوى والتذمُّر من عدم وجود عمل للشباب وسعي الدولة لإغلاق صنابير التوظيف لدفع الشباب للعمل في المهن التي يشغلها وافدون!
أجزم أنّ الكثير سيعاتبني لمطالبتي الاقتصاد في فتح مجال التوظيف المكتبي الحكومي والأهلي وحشوه بالموظفين دونما عمل حقيقي مما يزج بنا نحو البطالة المقنَّعة، وهو مؤشر للانحدار الحضاري حين يتقاسم الوظيفة عدّة أشخاص ولا يكاد يقوم واحد منهم بمهامها فتضيع حقوق الناس!
وما زالت الدعوة تتردّد لانخراط الشباب في المعاهد الفنية والمهنية، وقبلها ضرورة معرفة ثقافة العمل بما تحمله هذه الثقافة من تمكُّن وإتقان وإخلاص.
وأذكر نقاشاً دار بيني وبين إحدى زميلاتي حين اقترحتُ عليها انضمام ابنها لمعهد فني بعد تعذّر دخوله الجامعة، فسألتني سؤالاً بارداً: هل تقبلين زواج ابنتك من شاب يعمل مهنياً أو فنياً؟! ولم أكن لأدخل في مزايدة لأنه يشرفني زواج ابنتي من رجل يتحمل المسؤولية ويؤدي عمله بإتقان وإخلاص وإدراك لمعنى الأمانة، لأنني سأضمن لها مأكلاً وملبساً حلالاً مع تقديرها لزوجها الذي يعمل بجد ومثابرة، فلا يبهرها بريق الشهادات النظرية الخاوية من عمل إبداعي قد يحملها شخص يفتقر إلى الأخلاق فتشقى وتشقينا !
وبرغم تراجع الوضع الاقتصادي إلاّ أنه لم يغيِّر من الفكر الاجتماعي شيئاً، حتى ليبدو تراجعنا للخلف ! فما زالت النظرة دونية لأصحاب المهن! وما زال الناس يبحثون عن واسطات لدخول أبنائهم كليات نظرية لا تفيد الوطن بقدر ما تسجل أرقاماً في عداد العاطلين. فهل فشلت الدولة في توجيه الشباب نحو المهن التي يحتاجها الوطن ووقف شلالات استقدام عمالة غير مدرّبة؟! أم أنّ خطط التنمية جميعها لم تحقق الهدف المطلوب بإحلال المواطن بدلاً من الوافد إلاّ بالوظائف الحكومية أو المكتبية دون المهن الفنية التي يتعطّش لها الوطن؟
فما بال تلك الخطط تقف وجلى أمام التنفيذ الحقيقي؟!
ألا ترون أنّ فرحتنا بالسعودة توقّفت عند (يا سلام بائع سعودي) فأين النجار السعودي وأين فني الاتصالات والميكانيكي وأين الخياط والحلاق؟!
أما الخباز فله قصة جميلة سمعت عن فصولها .. حدثت قبل عشرين عاماً حين تم الاستغناء عن العمالة اليمنية التي كانت تجيد الخبز اللذيذ! حيث استيقظنا ذات يوم فإذا المخبز مغلق، حينها اندفع أحد الشباب وارتدى (اليونيوفورم) وأصبح يعجن ويخبز والناس عند فرنه مزدحمون. وحين حسبها اقتصادياً وجد هذه المهنة تدر ذهباً ! فقدم استقالته من التدريس بلا رجعة. والآن يُعَد ذلك الخباز الجريء الشجاع أحد رجال الأعمال لأنه رأى في التجارة تسعة أعشار الرزق والباقي إرادة !
فإلى السوق أيها الشباب، ولا تنتظروا المكاتب التي تسبب ترهُّلاً لأجسادكم وتورُّماً لفكركم، وستجدون من يزوجكم ويتشرّف بمصاهرتكم !
www.rogaia.net
ص. ب 260564 الرياض 11342