* أخيراً.. جاءت اللحظة الحاسمة. جاءت الساعة التي يفرح فيها المؤمنون بانتصار قيم الحب والحياة والعدل والسلام، ويحزن فيها الظلاميون، بنصرة الحب والحياة والعدل والسلام.
* أخيراً.. جاءت اللحظة الحاسمة. جاءت الساعة التي يحصحص فيها الحق، ويزهق فيها الباطل، فلا ينفع المفجر والقاتل والمخرب والذّنَب والعميل والمحرض والمشجع والداعم والممول والمتعاطف، لا ينفع أحد منهم، لا القاعدة الإرهابية التي تحتضر اليوم في كهوف (تورا بورا)، ولا النموذج الطالباني البائد، ولا قادة الظلام والإرهاب المنضوين تحت ردائها البالي. لا (أسامة بن لادن) ينفع، ولا (أيمن الظواهري) يشفع، ولا حتى من تسرَّر أو تقطَّب أو تزرَّق أو.. أو.. لا مكان البتة، لإظهار الندم، أو التعويل على الاستعانة بإدعاءات التنصل والتفلت، مثل الجهل، والغرر والتغرير، والضلالة والتضليل، ولكن: (وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) و: (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ).
* إن جر الإرهاب إلى محكمة أمنية، ومحاكمة المتهمين بالإرهاب - كما سوف نرى بعد أيام قليلة - هو نصر وطني كبير بكل ما تعنيه الكلمة. نصر يأتي في قمة الانتصارات الوطنية التي تحققت على مدى مئة ونيف من السنين، لأن الإرهاب؛ مشروع قائم في أساسه؛ على نسف كل انتصار وطني تحقق لهذه البلاد منذ العام 1319هـ، يوم دخل الملك (عبد العزيز آل سعود) - رحمه الله - الرياض حتى اليوم. لقد ظل الوطن بكل قياداته ومواطنيه، يحقق الانتصار تلو الانتصار، فقد انتصر ابتداءً على التشرذم بالوحدة الوطنية، وانتصر على الضعف بالكيان الكبير الموحد، وانتصر على الخوف بالأمن، وانتصر على الجهل بتعميم العلم، وانتصر على المرض بتحقيق الصحة، وانتصر على الفقر بالعلم والصحة معاً، وبتوفير الموارد المالية والبشرية. وانتصر على الظلامية ثلاث مرات. الأولى: في معركة السبلة الشهيرة، التي أعادت التوازن للعقول الزائقة من جديد.. والثانية: إثر اغتيال الملك النهضوي العظيم: (فيصل بن عبد العزيز) رحمه الله. والثالثة: بعد احتلال الحرم والقتل فيه، ونفخ (بالونة) اختبار الدولة والمجتمع. إن في محاكمة الإرهاب، ومعاقبة المذنبين في أثوابه، انتصاراً وطيناً رابعاً مستحقاً، ضد قوى الشر والظلام، وحفظاً للأمن القائم، وحفاظاً على كل مكتسب وطني تحقق لمواطني هذه البلاد حتى اليوم، وكل مكتسب من هذه المكتسبات، لم يأت بسهولة، ولكن بتضحيات كبيرة، وجهود وفيرة، وأعمال عظيمة، بذلها رجال رافقوا المؤسس في التأسيس، وآخرون تربوا في مدرسته، وتشبعوا بعبقريته، فواصلوا من بعده مسيرة البناء والتشييد، فإذا جاء من يريد تخريب وتهديم هذا الصرح العظيم، قلنا له قف: دونك وما تريد، أسياف حداد، وسواعد شداد، بعدد حجر وشجر ووبر هذا الوطن الموحد، يرفعها رجال، أخلصوا ما عاهدوا الله عليه، فظلوا وما زالوا، أوفياء لمدرسة الملك المؤسس رحمه الله.
* أنهت وزارة الداخلية، إجراءات التحقيق مع مئات من الموقوفين، على خلفيات عمليات إرهابية جرت في البلاد منذ عدة سنوات، ومجمل هؤلاء، ممن يصح أن نطلق عليهم أدوات وتلاميذ وأتباع، أخلصوا النية لمن هم أعلى وأكبر منهم في المشروع الإرهابي، فهناك خارج دائرة المحاكمة حتى اليوم، أقطاب كبار من صناع الإرهاب، ومن شيوخه وأساتذته، ومن محرضيه ومموليه ومشجعيه، وسوف يأتي اليوم الذي نرى فيه هؤلاء، في المحكمة الأمنية قريباً إن شاء الله، فليس من العدل قطع الأذناب، وترك الرؤوس والأنياب. وحتى لا تتحرك رؤوس وأدوات وأذناب الإرهاب مرة أخرى، وجب استئصال كافة أطراف المرض وخلاياه، ومما هو مؤمل في هذا الاتجاه مستقبلاً وبكل جدية، محاكمة بيئات التفريخ والتفقيس، وخاصة في الإدارات العامة، والمؤسسات ذات الصلة بالشباب والنشء، وانتهاءً بمحاضرات بعض القُصّاص، وتلك الكتيبات والمنشورات والأشرطة، التي تسعى بين الناس تحت عنوان الدعوة، والأدلجة أقرب إليها من الدعوة.
* من بين ما لفت نظري مما نشر وينشر، عن قرب بدء محاكمة المتهمين بالإرهاب في المملكة، أن هناك آباء وأولياء أمور لمتهمين، يسعون لتشكيل تكتل من المحامين للدفاع عن أبنائهم وذويهم المتهمين. هذا في الحقيقة حق من حقوقهم، فكثير منهم مألوم مكلوم، ومبتلى مثل غيره، ممن فقد ابناً أو قريباً أو عزيزاً في العمليات الإرهابية، ف(وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى). ومثل آخرين لهم خصومة حقيقية، مع شيوخ دفعوا بأبنائهم إلى (سكة التائهين)، و(نار الهائمين)، في حروب عبثية، سواء داخل المملكة أو خارجها. أنا لا أنكر على هؤلاء ولا على من يستجيب معهم للدفاع من المحامين، وبالقدر نفسه أتساءل: من يترافع في الحقوق الخاصة من الجانب الآخر..؟
* إن الحق العام، يتصدى للدفاع عنه الإدعاء العام، حسب اللوائح المنظمة في المرافعات في هذا الشأن.. أمن الدولة وأمن المجتمع وما في هذا المستوى، بيد الادعاء العام. ولكن أولياء الدم، من أولئك المغدورين في آبائهم أو أبنائهم وإخوانهم وأعراضهم وأموالهم، من يترافع في حقوقهم الخاصة..؟!
* حتى اليوم، ليس واضحاً ما إذا كان هناك تكتل من نوع ما، ولا حتى تطوع من عدد من المحامين الذين تعودنا منهم المبادرة في مواقف إنسانية ووطنية كهذه، فعسى أن نجد من يتصدى لهذا الواجب، في هذا الموقف الوطني المشرف. لقد سبق وأن اقترحت في أكثر من مقال، على أولئك المغدورين في دم أو عرض أو مال، أو في بنين دفع بهم شيوخ الإرهاب إلى وطيس المعارك العبثية باسم الجهاد.. اقترحت عليهم التعاون والتكتل حقوقياً، وتوكيل محامين للدعوة ضد كل من تسبب لهم بأذى، سواء كان ذلك من بين الذين يمثلون أمام المحكمة الأمنية في القريب العاجل، أو من الذين هم مثل: (رمتني بدائها وانسلت)..! هؤلاء.. كانوا في الأمس بوجه، وأصبحوا اليوم بوجه آخر مغاير، وغداً.. الله أعلم أي وجه يدخرون لنا.؟!!
assahm@maktoob.com