Al Jazirah NewsPaper Friday  31/10/2008 G Issue 13182
الجمعة 03 ذو القعدة 1429   العدد  13182
بوابة أزمة جديدة.. وآمال سياسية!
د. سعد بن عبدالقادر القويعي

تتوالى الأحداث والخطوب، وتمر الأيام والسنون، بعد مرور الذكرى السابعة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر.

ومن أهم تلك الأحداث والخطوب: الانهيار الذي أصاب الأسواق الأمريكية، والأزمة المالية مما دفع بالكثير من أصحاب القرار للتخوف من آثار هذه الأزمة على اقتصاد العالم بلا استثناء، والتخوف من وقوع مزيد من الضرر في السنوات المقبلة، والدخول في نفق

مظلم لا يعرف نهايته، وستتعمق هذه المشكلات بمرور الوقت.

إن ما يحدث من أزمة مالية واقتصادية خانقة تكاد أن تتحول إلى كساد عالمي كبير، هو نتيجة طبيعية لأزمة سياسية خاطئة، انتهجتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بخاصة بعد غزوها دولتين إسلاميتين، هما: أفغانستان، والعراق. وقتها نشرت صحيفة (نيويورك تايمز في 27 - 1- 2003م، بيانا بعنوان: (ليس باسمنا)، وقعه 45 ألف أمريكي، ينددون بالحرب المحتملة ضد العراق، وطالب الموقعون الشعب الأمريكي بمقاومة الحرب والسياسات التي تتبناها الحكومة الأمريكية منذ الحادي عشر من سبتمبر، التي وصفوها بأنها غير قانونية، أو أخلاقية، أو عادلة). فعلقت كونداليزا رايس - مستشارة الأمن القومي - حينئذ على المظاهرات المنددة بالحرب، قائلة بكل استخفاف: (إن هذه المظاهرات لن تثنينا عن المضي في الطريق الذي اخترناه لتحقيق مصالحنا).

ولئن كانت الحرب على أفغانستان مبررة - في زعمهم - رغم اعتمادها على لغة التهويل والتضليل وتزييف الحقائق، فإن الحرب الذي شنت على العراق تستند إلى اللغة نفسها. فلم تفلح الإدارة الأمريكية في إثبات وجود أسلحة دمار شامل في العراق، كما ثبت بشكل قطعي عدم وجود أية علاقة بين النظام العراقي السابق وتنظيم القاعدة. وهو ما أكده - وزير الخارجية الأمريكي السابق - كولن باول، حين قال: (إن كل ما تم الحديث عن أسلحة الدمار الشامل لم يكن سوى ذر للرماد في العيون). مستشهدا بتقرير كاذب عن اليورانيوم المستقدم من النيجر. وما تلاه من الفضيحة التي أعلنها - السفير الأمريكي السابق في النيجر - جوزيف ويلسون، الذي نفى شراء العراق لليورانيوم، وأثبت أن كل الوثائق التي استندت إليها المخابرات الأمريكية كانت مزورة.

ولا أحد يمكن أن يجادل بأن الحرب على العراق كانت تكاليفها كبيرة والثمن غاليا. ففي كتاب جديد بعنوان: (حرب الثلاثة ترليونات دولار)، يقرر جوزيف ستيغلتز - أستاذ السياسة العامة - في جامعة هارفرد، والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد: (إن التكاليف الإجمالية لغزو واحتلال العراق ستلامس سقف الثلاثة ترليونات دولار، وكانت النتيجة الحتمية أن ارتفعت أسعار النفط من 25 دولار للبرميل الواحد إلى 140 دولار، مما سيزيد الأعباء على دافع الضرائب الأمريكي. وتراجع الدولار أمام العملات الأخرى، وانحدر بسرعة مخيفة. وتعرض الاقتصاد الأمريكي إلى كساد عظيم وتضخم مخيف، فارتفع الدين من 5 ترليونات إلى 10 ترليونات في السنة القادمة).

أما الحديث عن البعد الاقتصادي للأزمة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد بصورة كبيرة على القروض المالية، التي بموجبها تقوم بتسديد ديونها في دورة مستمرة من الإقراض والتسديد. وهو ما أكده جورج سورس: من أن نسبة 40% من المنازل في عام 2005م لم تكن مخصصة للإقامة الدائمة، بل كانت مخصصة للاستثمار، أو كمنزل ثان. والذي تتسبب في تفاقم الكارثة، أيضا: استحداث نظام الرهن العقاري الثانوي، ومن خلال هذا النظام يتم توفير قروض دون التأكد من وجود وظيفة، أو دخل، أو على أقل تقدير أصول تضمن استرداد قيمة القروض. وبذلك انخفض التصنيف الائتماني للبنوك، لذا سارعت البنوك لتحويل ملكية القروض منها إلى المستثمرين. وبطبيعة الحال لا يعرف المستثمرون معلومات عن العملاء أصحاب القروض، فأصبحت القروض تدار بواسطة سماسرة بشكل مؤقت ليتم بيعها لبنوك الاستثمار. وهي دورة ستنتهي في يوم من الأيام ولا شك. إضافة إلى أن المشكلة تفاقمت بإعلان بنك (ليمان براذرز) عن إفلاسه، وإعلان إفلاس البيت الأمريكي للرهن العقاري (أمريكان هوم مورتاج)، فحدث الذعر في كافة الأسواق المالية العالمية.

هناك من يقول: إن الاقتصاد الأمريكي مر بهزات، ومن ذلك: الكساد الاقتصادي في عام 1929م، لكنه تعافى وسجل نموا قياسيا ساهم في الثورة التكنولوجية التي نراها اليوم. إلا أن هذا الصلف والطغيان الأمريكي لن يستمر كثيرا، وستعود أمريكا دولة لا إلها يقرر شؤون العالم، وستفقد زعامتها التي تربعت عليها عقودا من الزمن، فقد كتب الله نهاية سريعة للظالمين. وهو ما أكده - المؤرخ البريطاني المعروف - بول كيندي، ومن قبله - المؤرخ - إيريك هوبزاوم، حينما تنبأ ضمنا باحتمالات حدوث أفول أمريكي. وذلك حسب نظرية الدورة التاريخية للقوى العظمى صعودا وهبوطا، وبسبب سياساتها العدوانية في العالم وظلمها الذي أضحى حقيقة مسلمة.

إن كبح جماح أمريكا، وإنهاء انفرادها في العالم، ومجابهة مفهوم النظام العالمي الجديد، يستدعي تشكيل قطب دولي آخر منافس لأمريكا، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن أصحاب القرار في هذا البلد ممثلا: بالمؤسسات المالية السعودية، كمؤسسة النقد العربي السعودي ووزارة المالية ووزارة الاقتصاد، مدعوون لدراسة هذه الأزمة واستثمارها، من أجل قيادة الأمة في أزماتها. ومما يساهم في تحقيق تلك الغاية حسب متطلبات المرحلة القادمة: تبني سياسات لخفض الإنفاق الاستثماري للدولة من أجل استغلال فوائض موازنتها، مع توخي الحذر عن اتخاذ القرارات الاستثمارية خارج المملكة حتى لا تتعرض للإفلاس، والتأكيد على الاستثمار في العنصر البشري وتأهيلهم تأهيلا عاليا، إضافة إلى فك ارتباط الريال بالدولار وربطه بسلة عملات كالجنيه والفرنك والين واليورو وغيرها من العملات، ولا سيما أن المسؤولين في تلك الدول يعترفون بتفاقم الأثر السلبي للارتباط.





drsasq@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد