{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} في ليلة الأربعاء 22- شوال-1429 هتف الهاتف بنبأ وفاة شيخنا العلامة المؤرخ النسابة القاضي إسماعيل بن علي الأكوع عن إحدى وتسعين سنة أمضاها في خدمة العلم والتاريخ وبلاد اليمن، ذلكم هو العلامة الموسوعي الرحالة فيا له من رزء جلل، ومصيبة كبيرة في رحيل هذا الجبل الشامخ القاضي الشيخ إسماعيل، كان - رحمه الله - من بداية حياته إلى آخر يوم من عمره المبارك مكباً على العلم وحريصاً على تحصيله، إذ ولد في بيت علم وفضل، وقد انشغل في بواكير حياته بالسياسة وعمل في السلك الدبلوماسي، حيث مثل بلاده في بلدان متعددة، ثم بعد ذلك انصرف بالكلية إلى العلم تأليفاً وتحقيقاً ونشراً فخدم بلاده أي خدمة لا سيما في علم التراجم، والأنساب والجغرافيا والتاريخ، فألف معلمته الكبيرة: (هِجر العلم ومعاقله في اليمن) وجل ما فيه اقتبسه من أفواه العلماء ومكاتبتهم، دوَّن فيه علماً غزيراً كاد أن يضيع، ومكث في تأليفه وجمعه عشرات السنين، وألف أيضاً (الأمثال اليمنية) وبتدوينها حافظ على تراث عظيم من الانقراض والضياع، واستل جميع البلدان اليمنية التي وردت في كتاب (معجم البلدان) لياقوت وعلق عليها وصححها، وجمع أخبار المدارس اليمنية القديمة في كتاب حافل. والكلام عن تراثه يطول، فإنه رحمه الله تعالى كان عاشقاً لبلاده اليمن اهتم بتراثه وتاريخه وأنسابه وأمثاله إلى آخر أيامه.
كاتبته - رحمه الله - مستجيزاً لمشاركته في علم الرواية، فأجاب الطلب، ثم زرته في بيته بصنعاء سنة 1420 فأكرمني غاية الإكرام، ثم زرته في زيارتي الثانية لصنعاء سنة 1426 فرأيته قد ظهرت عليه آثار الضعف، وفي أثناء زياراته المتعددة للرياض شرَّفنا في داري مع ثلة من الباحثين، وفي مقدمتهم أستاذنا الدكتور يحيى محمود بن جنيد حفظه الله ورعاه، وفي زياراته الأخرى إلى الرياض كنت أتردد لزيارته كما يزوره غيري من الباحثين والمستفيدين، وذلك في منزل ابنه الأستاذ خالد، حينما كان سفيراً لليمن بالمملكة العربية السعودية، فكنا في هذه الزيارات الكثيرة نستفيد من علمه وتوجيهاته وذكرياته الشيء الكثير.
ولما أرسلت له نسخة من كتابي عن صديقه شيخنا العلامة السيد محمد بن عبدالهادي المنوني بادر بكتابة كلمة توفي هذا العالم حقه. وسأقوم بحوله تعالى بنشرها في الطبعة الثانية.
للقاضي إسماعيل شغف واهتمام كبير في الرحلة والتجوال، فقد زار كثيراً من البلدان ومن خلالها اطلع على الكثير من المكتبات العامة، وتعرف على شخصيات علمية وثقافية تفوق الحصر، ومع كل منهم ذكريات. وهذه الصلة والعلاقة لم تقتصر على أعلام التاريخ والأدب والفكر في بلاد المسلمين بل تربطه أيضاً صلات وثيقة مع بعض المستشرقين.
والخلاصة: فإن شيخنا القاضي إسماعيل الأكوع اجتمع فيه ما تفرق في غيره وكان رحمه الله تعالى - بحق في ميدان العلم والمعرفة نادر في تاريخ اليمن والتراجم والأنساب والرحلة الواسعة - أمة في رجل.
نسأل الله سبحانه أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يجزيه على ما قدم من علم نافع وكتب نادرة وتراث واسع خير الجزاء وأوفاه.
محمد بن عبد الله آل رشيد