Al Jazirah NewsPaper Sunday  26/10/2008 G Issue 13177
الأحد 27 شوال 1429   العدد  13177

في رثاء علامة اليمن ومؤرخها القاضي إسماعيل بن علي الأكوع
إبراهيم باجس عبد المجيد المقدسي

 

رحماك ربي رحماك، ونحمدك اللهم على قضائك وقدرك، لا رادَّ لحكمك، ولا معقِّب لقضائك، وإذا حلَّت بنا مصيبة، فلا نقول إلا ما يرضيك ولا يسخطك؛ الأمر أمرك، والحكم حكمك، والقضاء قضاؤك، والخلق خلقك. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

رثيت فيما مضى فقيه الجزيرة العربية الشيخ عبد العزيز بن باز، ورثيت محدث الشام محمد ناصر الدين الألباني، ورثيت (الهمْداني الصغير) مؤرخ اليمن القاضي محمد بن علي الأكوع.

وها أنا اليوم أرثي علامة اليمن ومؤرخها، والدي وشيخي وأستاذي القاضي العلامة إسماعيل بن علي الأكوع، الذي وافاه أجلُه ليل الثلاثاء الثاني والعشرين من شهر شوال من هذا العام 1429هـ، الموافق للثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني من عام 2008م.

بكيت شيخي كما بكيت والدي، وعزَّاني فيه من يعرفني كما عزَّاني في موت والدي؛ فقد كان، رحمه الله، والدي بعد والدي، وكان يقول: تقول العرب في أمثالها: "رب أخ لك لم تلده أمك. وأنا أقول والقول له رحمه الله رب ابن لك ليس من صُلبك. وهذا إبراهيم ابني مثل ولديَّ محمد وخالد.

فرحمك الله يا والدي، ورحمك الله يا شيخي ويا أستاذي.

أبكيك حيث فقدتك، وأبكي علماً قُبض بقبضك. فهذا أوان قبض العلم حيث قُبض العلماء..

مات الفقيه ابن باز ... وما رأينا بعده مثله في سعة علمه.

مات المحدث الألباني ... فمن خلفه في علم الحديث؟

ومات (الهمْداني الصغير). فأي (همداني) أنجبت اليمن من بعده؟!

واليوم يموت علامة اليمن ومؤرخها... فمن يحمل الراية الآن؟

أسأل الله أن يجبُر مصيبتنا في فقد علمائنا، وأن يخلُف علينا مثلهم أو خيراً منهم.

وقد شَرُفتُ بمعرفة شيخي، رحمه الله، منذ ربع قرن من الزمان، فعرفتُ فيه العالم العاملَ بعلمه، المحبَّ للعلم والعلماء وطلبة العلم، فما وجدته متردِّداً في إفادة أحد بما يطلبه، ولا يضنُّ بعلمٍ أُوتيَه، بل يبذله مسروراً مشجعاً لطالبه نحو طلب المزيد.

شرُفت باستضافته مراراً في بيتي في عمَّان، وكذلك الأمر في بيتي في الرياض عندما كان يزورها، وشرُفت بزيارته في بيته في صنعاء.

كان دائم السؤال عني وعن أسرتي وأولادي وأهلي جميعاً، وهذا دأبه، رحمه الله، مع تلامذته. وإذا ما تأخرت عنه في الاتصال أو المراسلة، فما أسرعه إلى المبادرة إلى الاطمئنان والسؤال. فكم كان عطوفاً على أبنائه وتلامذته، محباً لهم.

واستمرت الاتصالات والمحادثات فيما بيننا، حتى كان آخرها في العشر الأواخر من رمضان المبارك، عندما هاتفتُه أنا وشقيقي الأخ عادل من بيت الله الحرام، وكم تأثرت حينها؛ لأن المرض كان قد أخذ منه مأخذَه، ولم يعد يقوى على الكلام إلا بصعوبة، فما تكلم إلا كلماتٍ معدوداتٍ لم أتبين بعضَها.

ثم حاولت الاتصال به قبل أيام من وفاته، فأخبرتني زوجته وابنته أنه ما عاد يستطيع الكلام، فازدادت حسرتي، وأيقنت أن الأجل المحتوم قد اقترب، إذ كان رحمه الله يعاني من تشمع الكبد، ووهن في العظم، وضعف في البصر، أسأل الله أن ما أصابه من مرض ووصب كفارة له وسبباً في رفع درجاته.

وليعذرني القارئ الكريم في حديثي عن علاقتي الشخصية مع والدي وشيخي رحمه الله، فإن كنت أتحدث عن علاقتي مع الشيخ، فأنا أتحدث بلسان الكثيرين من طلابه وأحبائه، الذين لمسوا منه مثل ما لمست من حسن العشرة، وحب بذل العلم لطلابه، والعطف عليهم، والشفقة بهم.

وربما تميزت صلتي بالشيخ الوالد عن غيري بديمومة هذه الصلة، ومعرفة كل منا الكثير عن حياة الآخر وخصوصياته، فقد فتح لي قلبه وصندوق علمه ودفتر ذكرياته، حتى عرفت عنه الكثير، وشرَّفني بمتابعة بعض شؤونه الخاصة، أو الإشراف على طباعة بعض كتبه. "فوجدتُ أنه لزاماً عليَّ، ووفاءً ببعض حقِّ شيخي أن أُفردَ سيرته الطيبة العطرة في كتاب مفرد، علَّني أفي بديْنِه عليَّ وعلى محبِّيه وتلاميذه؛ فكم له من أيادٍ بيضٍ على العلم عامةً، وعليَّ أنا خاصةً، وكم لمست منه حرص الشيخ على تلميذه، وعطف الوالد على ولده".

وكان ذلك، بفضل الله، فقد كتبت عنه كتاب "إسماعيل بن علي الأكوع علامة اليمن ومؤرخها". دوَّنت في هذا الكتاب لمحات من حياته؛ ذكرت فيها اسمه ولقبه ونسبه، وعرَّفت بأسرته وأهل بيته، ثم عرَّجت على ذكر طفولته وبداياته في الطلب، وشيوخه الذين درس عليهم العلم، وبينت مناشطه السياسية في عهد الأئمة ثم في العهد الجمهوري، ثم ذكرت رحلاته التي قام بها في أرجاء المعمورة ما بين شرق آسيا حتى كوبا. ثم بينت مناشطه العلمية، وعرَّفت بمؤلفاته التي كتبها. وقدَّم لهذا الكتاب الأستاذ العلامة ناصر الدين الأسد.

وقد آثرت أن أدون سيرته رحمه الله في حال حياته حتى تقر عينه بذلك، ويرى أن له تلاميذ أوفياء، وأبناء بررة، يسعون لتخليد ذكراه في حياته قبل مماته، ولا يكون مثل الذي قال فيه عَبيد بن الأبرص:

أبعد موتي ترثيني وتندبني

وفي حياتي ما زوَّدتني زادي

أو كما يقول الرازي، رحمه الله:

المرء ما دام حياً يُستهان به

ويعظُم الرُّزء فيه حين يُفتقدُ

ثم أسهمت، ولله الحمد، مؤخَّراً في الإشراف على تصحيح ومراجعة وطبع كتاب (القاضي العلامة إسماعيل بن علي الأكوع، شيوخه وإجازاته العلمية ومؤلفاته)، من تأليف الأستاذ عبد الرحمن بن عبد القادر المعلمي.

وأقتبس الآن بعضاً مما كتبته عن عالمنا الفقيد؛ فأقول:

هو القاضي أبو محمد إسماعيل بن علي بن حسين بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل الأَكْوَع الحِوالي.

ولَقبُ القاضي؛ لقبٌ تشريفيٌّ لمن كان والدُه يشتغل بالقضاء، ولو لم يكن مع الابن ما يؤهِّله للقضاء. أما نسبة الأكوع، فتعود إلى جدِّه محمد بن إبراهيم، الملقَّب بالأَكْوَع؛ لبُروزٍ في كُوعِه. وأما الحِوالي فنسبة إلى ذي حِوال الأكبر الحِميَري.

وُلد في مدينة ذِمار ضحى الأربعاء 11 من جمادى الآخرة سنة 1338هـ، الموافق 1 من آذار 1920م.

والده: القاضي العلامة جمال الدين، علي بن حسين بن أحمد بن عبد الله الأكوع، تولَّى الإفتاء والقضاء في ناحية خُبَّان، وكان يقصده الناس من مختلِف المناطق.

والدته: فاطمة بنت حسين بن عبد الله المجاهد، يتصل نسبها من قِبَل أمِّها بالإمام محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله -.

أولاده: أنجب ولدَين وبنتين، اهتمَّ بتربيتهم وتعليمهم العلم الشرعي والدنيوي، وإحدى ابنتيه كانت أول طبيبة في اليمن.

تدور مراحلُ حياته حول محور واحد هو العلم، فقد بدأت مرحلةُ الطلب من حين تخرَّج من المِعلامة (وهي حُجرة صغيرة ملحقةٌ بالمسجد) بعد سنتين أمضاهما فيها، وانتقل إلى (المكتب) وهو كتَّاب حكومي يعلم الطلاب قراءة القرآن وتجويده، والحساب، والخط، ثم دخل المدرسة، فقرأ فيها أول كتاب (شرح الآجُرُّومِيَّة) للصِّنهاجي.

وفي طفولته كان ملازماً لوالده في حلِّه وترحاله، يحضر مجالسه العلمية في المدرسة والمسجد والبيت. ويقول هو عن ذلك: (إن المدرسة الحقيقية كانت مدرسةُ الوالد - رحمه الله -، وأكثر الاستفادة من جلساته العلمية، وكنت أحضر شطراً من اليوم في مجلس الوالد؛ ذلك لأني كنت في غالب الأيام أقوم بخدمته وخدمة مَن يرتاد مجلسه من العلماء والباحثين والدارسين..).

وقد غرسَت مجالس العلم هذه في نفس الشيخ حبَّ العلم والشغف به، وكان يتذوَّق للعلم لذة لا يجد لها مثيلاً في نعيم الدنيا.ومن الواضح أن هذه المرحلة أثرت في مسيرة حياته فيما بعد، حيث صبغتها بالصِّبغة العلمية وحب العلم وأهله، والتفاني في طلب العلم وخدمته.

أخذ القاضي إسماعيل القرآن وعلوم الحديث والفقه وعلم أصول الفقه وعلم النحو وعلم المعاني والبيان عن جِلَّة علماء اليمن وأكابرهم؛ منهم:

أحمد بن علي التويرة: المقرئ الضرير.

وأحمد بن محمد بن أحمد الأكوع: وهو والد زوجة المترجَم، عالم في الفقه والفرائض مشارك في غيرهما.

وأحمد بن محمد الوائلي: وهو من ألمع تلاميذ العلامة محمد بن علي الأكوع أخي صاحب الترجمة.

وثابت بن سعد بهران: عالم محقق في علوم الحديث، له معرفة تامة بعلوم العربية.

وحسن بن أحمد بن عبد الباري الأَهْدَل: وهو عالم في الفقه، له مشاركة جيدة في غيره.

وحسن بن زيد بن علي الديلمي: وهو عالم مبرِّز في علوم العربية والحديث والتفسير.

وحمود بن محمد بن إسماعيل المِحْنَبي الهتاري: وهو عالم محقق في الفقه وعلوم العربية والتفسير والحديث.

وزيد بن يحيى عَقَبات: وكان عالماً في الصرف والنحو والمعاني والبيان وأصول الفقه.

وصالح بن محمد الحُودي: وكان إمام القرَّاء في عصره، وعالماً محققاً في علوم القراءات وأصول الدين والفقه.

وعبد القادر بن عبد الله بن علي: وهو عالم محقق في العلوم والحديث واللغة.

وعبد الله بن أحمد الصادق: وهو عالم مشارك.

والعلامة عبد الله بن محمد السُّوسُّوَة: وهو عالم محقق في الفقه والفرائض والنحو.

وعلي بن أحمد بن قاسم حميد الدين: وهو عالم مشارك.

وعلي بن حسين الشامي: وهو عالم مبرز في كثير من العلوم، ولا سيما العربية، وكان شاعراً أديباً راوية للأخبار.

وعلي بن محمد بن حسن الأكوع: وهو عالم محقق ومبرز في الفروع والأصول والنحو والصرف والمعاني والبيان والفرائض.

ولطف بن زيد الديلمي: وهو عالم جليل محقق في النحو والصرف والمعاني والبيان وأصول الفقه.

ومحمد بن سالم البَيْحاني: العلامة الخطيب والشاعر الضرير، وهو من علماء عدن.

ومحمد بن ناجي وهَّابي: وهو عالم في الفقه، له مشاركات قوية في علوم العربية.

ووالده علي بن حسين الأكوع.وأخوه محمد بن علي الأكوع.

مناشطه السياسية:

نشأ صاحب الترجمة - كما تقدَّم - في بيئة علمية كان لها أثر كبير في توسيع مداركه وزيادة وعيه في أمور الحياة، ولم يكن تقليدياً في تعلُّمه وتعليمه، فقد غرس فيه شيوخُه بغضَ الظلم والظالمين، فنشأ حرّاً أبيّاً، يأبى الظلم ويسعى إلى تغييره.

بدأ القاضي إسماعيل العمل السياسي بعد وفاة والده بانخراطه في صفوف الحركة الوطنية التي انضوى تحت لوائها كثيرٌ من أعلام اليمن ورجالاته. وتكفَّل أول الأمر بمهمة الاتصال بمشايخ بعض القبائل في بلاد ذمار، وتوزيع منشورات الأحرار عليهم، وتبصيرهم بالقضية الوطنية.

وقد جرَّ عليه العمل مع الأحرار متاعب جمَّة، من سجن وتعذيب وهجرة من وطنه سنوات عديدة، حتى عاد إليه سنة 1386هـ - 1960م. وعُيِّن سكرتيراً أول للمفوضية اليمنية في موسكو.

وبعد قيام الثورة الجمهورية على الملكية، عاد إلى صنعاء، وعُهد إليه منصب مستشارٍ ثقافيٍّ في سفارة اليمن بالقاهرة، وفي سنة 1964 عمل في وزارة الخارجية، وعُيِّن نائباً ثانياً لوزير الخارجية، ثم سفيراً متجولاً، إلى أن استقرَّ به الحال وزيراً للإعلام في وزارة حسن العمري في عهد القاضي عبد الرحمن الأرياني.

وبعد استقالة الحكومة سنة 1969م، رفض العودةَ للعمل في السلك السياسي، وبدأ بتأسيس مؤسسة تهتمُّ بالحفاظ على المخطوطات والكتب والآثار، والتي سميت فيما بعد (الهيئة العامة للآثار ودور الكتب)، وبقي في رئاستها 21 سنة، إلى أواخر سنة 1990م. وفي خلال هذا العمل تفرَّغ صاحب الترجمة للقراءة والكتابة، والاطلاع على المخطوطات المتعلقة بما قام بتأليفه. وحضر مؤتمرات الآثار التي عُقدت في بعض الدول العربية.

أما أبرز الأعمال التي قامت بها دار الكتب أثناء رئاسته، فهي إنشاء متحف للآثار اليمانية، وعمل مسح أثري لكثير من مناطق اليمن بمساعدة بعثات دولية متخصِّصة. وكان النصيب الأوفر من اهتمام الدار منصبّاً نحو اقتناء المخطوطات الإسلامية النادرة، والتي جمعت منها نحو ثلاثة آلاف من رسائل وكتب.

رحلاته: عُرف عن الشيخ حبُّه للأسفار منذ صغره، وكان يعد السفر أفضلَ هواياته ويجد فيه متعة وفائدة كبيرين. فقد تجول داخل اليمن؛ فلم يدع مدينة ولا هجرة في اليمن إلا زارها، واطلع على معالمها، وتعرف على أهلها وعلمائها. وخارج اليمن؛ زار بلدان العالم العربي جميعها وبعضاً من بلدان العالم الأخرى، ومن تلك الزيارات ما كانت رسمية بحكم عمله في السلك السياسي، ومنها ما كانت خاصة للبحث والاستزادة من المعرفة.

وكانت له رحلتان طويلتان: إحداهما من الإسكندرية إلى إيطاليا مروراً بأثينة وبلغراد وزغرب وتريستة ثم إلى برينديزي على شاطئ الأدرياتيك ثم العودة إلى الإسكندرية.

والأخرى من موسكو إلى ألمانيا ومنها إلى فرنسا ثم إسبانيا فالمغرب فالجزائر فتونس فروما، انتهاءً بالقاهرة.

وقد زار الولايات المتحدة سنة 1979م بدعوة رسمية، وبقي فيها شهراً، تجوَّل خلاله في عدد من ولاياتها.

وفي آسية، زار الصين وإندونيسيا وماليزيا وبروناي وسنغافورا بالإضافة إلى الدول العربية فيها.

وكانت المملكة العربية السعودية من أكثر البلدان التي زارها، وكانت قدمته الأولى لها حاجاً وزائراً سنة 1378هـ. ثم توالت زياراته، وكانت في معظمها علمية للمشاركة في ندوة أو مؤتمر أو لإلقاء محاضرة، وبعضها كان للاستشفاء والعلاج في مستشفياتها.

وخلال عشرات السنوات بنى الفقيد، رحمه الله، علاقات قوية ومتينة مع ثلة من أكابر علماء المملكة وأدبائها؛ منهم: محمد عمر نصيف، وحمد الجاسر، وعبد الله العثيمين، وأحمد بن محمد الضبيب، وعبد الله بن خميس، ومحمد عبده يماني، ومحمد حسين زيدان، وعبد القدوس الأنصاري، وغيرهم كثير.

وقد عرف الشيخ من خلال رحلاته وعمله السياسي والعلمي، عدداً كبيراً من العلماء والأدباء من عرب وعجم، مسلمين وغير مسلمين، وربطته بهم علاقات وثيقة.

مناشطه العلمية وعضويته في المجامع:

شارك القاضي إسماعيل الأكوع في كثير من المؤتمرات والندوات واللجان العربية والدولية، بعضها ممثلاً عن اليمن، وبعضها بصفته الشخصية.

فقد تمتع بمكانة علمية رفيعة، رغبت لأجلها الكثيرُ من المجامع العربية والإسلامية في انضمامه إليها، فهو عضو في مجمع اللغة العربية بدمشق، وعضو في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن، وعضو في مجمع اللغة العربية الأردني، وعضو في المجمع العلمي الهندي، وعضو في اتحاد المؤرخين العرب، وعضو في معهد الآثار الألماني في برلين.

منهجه العلمي:

يقول صاحب الترجمة عن منهجه في التأليف: (البحث عن الحقيقة وإبرازها في صورة بعيدة عن الغلوِّ والتشويه أو الزيادة مما ليس منها، أو حذف ما لا ينسجم مع رغبة الكاتب).

ويقول: (على المؤرخ الصادق الأمين أن يبرز الجوانب المضيئة في تاريخ بلاده، وألا يَغفل عن ذكر الجوانب المظلمة، حتى يهتمَّ من بيده الأمر لإزاحة الظلام عنها. وعلى المؤرِّخ أن يكتب ما يراه صحيحاً بتجرُّد من الهوى لغرض ما، وأن يكون صادقاً منصفاً فيما يتناوله).

ويقول: (وقد أخذت على نفسي أن أتحرى الحقَّ؛ فلا حُبُّ من أحبُّه يجعلني أخفي ما له من عيوب ضارَّة بغيره، فإذا ذكرتُ ذلك فما بي زجرُه والتشهير به، ولكن ليتَّعظ به غيرُه. ولا كُرهُ مَن أكرهُ في سبيل الحقِّ يجعلني أسلبُه محاسنه، بل أُشيدُ بها ليكون قدوةً حسنةً لغيره).

وهذا المنهج الذي اتبعه صاحب الترجمة - إظهار الحق وبيانه للناس - طبَّقه على كل من ترجم له، حتى لو كان أقربَ الناس إليه، ذاكراً محاسنهم ومثالبهم.

نبذه للتقليد:

لم يتقيَّد الشيخ بمذهب فقهي بعينه، بل نجده يدور مع الدليل، من الكتاب وصحيح السنَّة، حيث دار، ويُثني على مَنْ هذا شأنه، ويَعيب على من يجمُد على رأي في الأصول أو الفروع وإن كان الدليل يخالفُه، وقد بيَّن منهجَه هذا في مقدمة كتاب (هِجَر العلم ومعاقله في اليمن) بقوله: (أنكرت على المتعصِّبين تعصُّبَهم لغير الحق، وشدَّدت النكير عليهم).

وقال - حفظه الله - منكراً الجمودَ والتعصُّب: "وهذا ما يحدث عند كثير من الجامدين على آراء مذاهبهم، فإنَّهم وإن كانوا يعرفون أنَّ الحق مع غيرهم، وأنَّهم على غير الحقِّ، فإنَّهم لا يتزحزحون قِيدَ أُنملة رجوعًا إلى الصواب، مع أنَّ الحقَّ أحقُّ أن يُتَّبع، ولو كان مخالفاً لما نشأ عليه المقلِّد واعتقده، ولكن (لهوى النفوسِ سَريرةٌ لا تُعْلَمُ). وقد جرت بيني وبين أحد العلماء المحقِّقين لكثير من كتب السنَّة محاورةٌ، فكان دائماً يستشهد بكلام مذهبه، فنبَّهته لذلك، ولكنه مُصرٌّ على ذلك، ولو كان مخالفًا للسنَّة! ولا قوة إلا بالله.

مؤلفاته:

خلَّف صاحب الترجمة مجموعة قيِّمة من المؤلَّفات والتحقيقات، بالإضافة إلى البحوث والمقالات النقدية، وأذكر هنا أهمَّ مؤلفاته وتحقيقاته:

1 - أئمة العلم المجتهدون في اليمن.

2 - أعراف وتقاليد حكَّام اليمن في العصر الإسلامي.

3 - الإمام محمد بن إبراهيم الوزير وكتابه العواصم والقواصم.

4 - الأمثال اليمانية.

5 - تاريخ أعلام آل الأكوع.

6 - الدولة الرسولية في اليمن.

7 - الزيدية: نشأتها ومعتقداتها.

8 - سدود اليمن، أبرز مظاهر حضارتها القديمة.

9 - مخاليف اليمن.

10 - المدارس الإسلامية في اليمن.

11 - نشوان بن سعيد الحميري، والصِّراع الفكري والسياسي والمذهبي في عصره.

12 - هِجَر العلم ومعاقله في اليمن.

13 - البلدان اليمانية عند ياقوت (تحقيق).

14 - مجموع بلدان اليمن وقبائلها للقاضي محمد بن أحمد الحجري (تحقيق).

الرياض


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد