Al Jazirah NewsPaper Sunday  26/10/2008 G Issue 13177
الأحد 27 شوال 1429   العدد  13177

ملامح من العادات الاجتماعية في الزواجات بالعلا
سلطان الجهني

 

وقعت بين يدي مذكرة مهمة (غير منشورة) تحكي وتوثق جانباً من مظاهر الحياة الاجتماعية في العلا، ألا وهو جانب الزواجات. ويمتد توثيق عادات الزواج في العلا، بحسب هذه المذكرة، إلى 3 قرون خالية، التي كتبها الشيخ أحمد علي الغيثي - رحمه الله - في جمادى الثانية من عام 1412هـ، لخّص فيها - رحمه الله - ما عاصره وحتى ما سمعه من الجيل الذي سبقه، أما ما سبق ذلك فقد اعتمد على الوثائق المخطوطة في توثيق هذه العادات. والشيخ أحمد علي الغيثي - رحمه الله - من أعيان محافظة العلا، وقد عُرف بالصلاح والتقوى - ولا نزكي على الله أحداً - وهو من رجال العلا الثقات، ومن رواد التعليم الأوائل في العلا. في هذه المذكرة يتحدث الغيثي عن وثيقة مؤرخة بسنة 1133هـ لعقد زواج حدث في ذلك التاريخ، فيقول جاء فيها: (عقد زواج حمامة بنت حمد بن عبد الرحمن بن عساف، لعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، جملة صداقها عليه، أربعون قرشاً، والقرش أربعون دونية، ثلاثون مقدم، وعشرة مؤخر، وسبعة ملابس، وعباة زمل (أو قطيفة)، وحجة مكلفة، والجارية رهن في نصف سدس معين (أي نصف سدس في مياه إحدى العيون الجارية بالعلا)، وأمها لها أربعة خطوط صافية قلمية، وشمطي محضي وأحمر وفاته وأربع صافي أو فاته (هذه أسماء لبعض الأقمشة والحلي). بشهادة الشيخ عمر. شهد الشيخ محمود بن عبد الرحمن. شهد جمعة بن عبد الدائم. شهد محمد بن علي. شهد سلمان بن صباح. شهد القاضي محمد بن عبد الله شريان وخطه 1133هـ). بعد ذلك يورد الغيثي منقولاً عن وثيقة أخرى، توثق عقد زواج تلا الزواج السابق بخمسين سنة. فيقول: (عقد زواج عائشة علي بن عساف بن عبد الرحمن بن سلمان، وهي ثيب، لأحمد بن ناصر بن أحمد بن حمدان بن دريهم، جملة صداقها عليه أربعون قرشاً، ستة وثلاثون مقدم، وأربعة قروش مؤخر، وسبعة ملابس، وفراش عباة زمل (أو قطيفة)، وحجة مكلفة، والجارية عنها رهن ثلاثة أرباع سدس معلق خامسة عليم (أي عين المعلق، وعليم اسم رجل من الأولين)، وأربعة خطوط لأمها أحمر ولفاته سرى وشمطي ومليسله وعفري وأربع أصواع فوه وأربعمائة قلب. شهد إبراهيم بن حمد بن علي وحمدان بن محمد أبو حوى وموسى بن سعد بن عيسى وجمعة بن عبد الدائم. وخط القاضي أمين بن أحمد بن محمد أمين في شهر ربيع أول عام 1183هـ). ويعلق الغيثي - رحمه الله - على ما جاء في الوثيقتين قائلاً: (هذه الشروط المعقود عليها لمن يرغب الزواج، وإذا لم توجد، ولم تتوافر عند الخاطب، فليس فيه زواج، ولو أمضى العمر كله بدون زواج)؛ لذا يرى الغيثي أن هذه الشروط المبالغ فيها - آنذاك - ساهمت في العزوف عن الزواج، وبالتالي تأثر النمو السكاني في العلا، واستمر الوضع على ما هو عليه، وارتفعت نسبة العنوسة، إلى أن حدث موقف تسبب في تخفيض هذه المهور، مع الشيخ علي شيخ عشيرة العلي رحمه الله. هذا الموقف يرويه الشيخ أحمد الغيثي في مذكرته قائلاً: ( كان هذا الشيخ يمر بمزرعته، وإذا بصوت منخفض من بنات عانسات، كبيرات السن، وهن في حقولهن، يخرفن ويحمين المزرعة من الطيور وغيرها، وهن يرددن هذه الكلمات الشعرية على ألسنتهن بصوت منخفض: يا علي يا شيخنا. رخص اسياقنا... إلخ) ويضيف الغيثي: لما سمع هذا الرجل الغيور - يقصد الشيخ علي - ما سمعه من البنات العانسات جمع مشايخ البلد وكبارها وتلا عليهم ما قد سمعه من بناتهم، واتفقوا على تخفيض المهور، وعلى هذا أجمعوا رأيهم واتفقوا على إلغاء الشروط المسبقة من حجة وجارية وقطيفة وعباة زمل وسبعة ملابس وأربعين قرشاً وشمطي لأمها. وتم الاتفاق على أن يكون المهر اثني عشر ريالاً ونصف للبنت البكر، وللثيب نصف صداق البكر، والتزم بهذا أهل البلدة قاطبة. إلا أن الغيثي يحكي لنا في مذكرته أن ارتفاع المهور عاد مجدداً في سنة 1350هـ، حتى وصل صداق البنت إلى مائة ريال، وأحياناً مائة وخمسين ريالاً. وهنا اجتمع شيوخ وكبار العلا مجدداً، واتفقوا على تخفيض المهور، وأقروا على أن يكون صداق البنت خمسين ريالاً وللثيب نصف صداق البكر، والتزم الجميع بذلك.

ثم يتحدث الشيخ أحمد الغيثي بشيء من التفصيل عن عادات الزواج في العلا قديماً فيقول: وعندما يريد أحدهم أن يخطب إحدى البنات يأخذ الخاطب معه أناساً من كبار البلد ووجهائها ويذهبون إلى ولي المخطوبة على شكل جاه، فيستقبلهم ولي المخطوبة ويكرمهم، ويقدم لهم القهوة المرة مع السكر، حيث إن الشاهي لم يظهر آنذاك، أما القهوة فهي قديمة، وأما السكر فكان موجوداً، ولكنه لم يستعمل مع الشاهي، بل كانوا يستعملونه في أدوية الأطفال، وبعد تقديم القهوة للجاه، يقدم لهم ولي المخطوبة الخبز الفطير، إما خبز أبو ماء أو خبز طشة أو خبز صفلاحة أو خبز مسلوب المصفط باللحم البري، والهريسه واللحم، وكل هذا الخبز يتم عمله على الصاج، ما عدا خبز الصفلاحة فهو على نوع من الحجر، وكل يكرم الجاه على قدر استطاعته. ويستطرد الغيثي - رحمه الله - في ذكر العديد من التفصيلات للإعداد للزواج وتجهيز بيت العريس وغيرها من الأمور التي لا يتسع المجال لذكرها. ويذكر الغيثي أن العريس يقوم ليلة العيد بزيارة إلى أرحامه، حاملاً معه حزمة حطب من جريد النخل اليابس، ومعه ورق خروع، وجريدة خضراء، فتقوم أم العروس بخضب يديه ورجليه بالحناء، ثم تلف عليه أوراق الخروع، ثم بما لديها من الخرق البالية، ثم تربطها بالخوص الأخضر، فينام تلك الليلة (منعزلاً) عند أرحامه، وعند أذان الفجر يذهب العريس إلى عين تدعل (تقع في داخل البلدة القديمة وهي أشهر عيون العلا وأقدمها) فيغسل ما علق به من الحناء، ثم يتوضأ ويصلي الفجر. ويؤكد الغيثي في هذه المذكرة أن الشباب إلى سن الثلاثين في ذلك الوقت كانوا يتخضبون بالحناء في الأعياد والمناسبات، ثم يذكر الغيثي بشيء من السرد كيفية قيام أصدقاء العريس من الشباب بعملية لواق بيت العريس، واللواق هو طلي جدران البيت بالطين الجديد كي يكون مميزاً عن غيره، ثم يدهنون جدران البيت بالقصة، والقصة هي نوع من الدهان الأبيض كانوا يستخرجونه من أرض الصخيرات لتنوير البيت. ويستطرد الغيثي في الحديث عن أيام العرس في تراث العلا الشعبي، حيث كان العرس يستمر لمدة سبعة أيام، مثل: يوم الوفاء والحناء ويوم خياطة الخصف ويوم القصة وغيرها، إلى أن يصل في حديثه إلى ليلة الهدوة، حيث يقوم الجميع بزف العريس إلى بيته وهم يرددون أهزوجة الهدوة بلحن جميل، ومنها:

الله الله. الله الله ربنا

يا رب تجمع بالمشفع شملنا

ولد الحبيب وخده متورد

والنور من وجناته يتوقد

وأصل صدر البيت الأول (يالله الرضا يالله الرضا بالمصطفى)، إلا أن المتأخرين من أبناء العلا لمسوا فيه تجاوزاً لفظياً، فاستبدلوه بالصدر الحالي. ولا تزال العلا تحتفظ بتراث الهدوة بهذه الأهزوجة العذبة، وتستقل بأدائها عن بقية المدن. وعند دخول العريس إلى بيته يقومون بإحضار الطيب والبخور، وكان بسيطاً ببساطة الظروف المعيشية آنذاك، ثم يخرجون من بيت العريس. ويقول الغيثي - رحمه الله - إنَّ العريس يبقى في بيته مع عروسته لمدة ثلاثة أيام لا يخرج فيها أبداً، ويمنع الجميع من زيارته، باستثناء أم العريس التي تحضر لهما الطعام والماء من عين تدعل، وكذلك أم العروس لذات الغرض، حتى إذا جاء يوم الجمعة جاءه صفيه (الصفي غالباً ما يكون أقرب أصدقاء العريس، وهو رفيقه في شتى خطوات العرس)، وأخذه معه إلى أداء الصلاة، ليعود مرة أخرى إلى البيت ليمكث فيه ثلاثة أيام أخرى دون خروج، وبعد ذلك يسمح للجميع بزيارة العروسين في بيتهما. ومن المعروف أن الزواجات في العلا قديماً كانت تقام داخل الأحواش في البلدة القديمة (الديرة)، وهذه الأحواش موجودة حتى الآن في البلدة القديمة، وعلى الرغم من صغر حجمها نسبياً، إلا أن هذا الحجم يكون مناسباً لأعداد المدعوين للزواج في تلك الفترة الزمنية. ويورد الغيثي في مذكرته أن انتقال ولائم الأعراس من الأحواش في البلدة القديمة إلى البساتين كان في عام 1336هـ عندما أراد الشيخ صالح بن أحمد صالح شيخ عشيرة القروق ورئيس مشايخ محلة الشقيق عمل وليمة لأهل البلد وذلك بمناسبة زواج ابنه خميس بن صالح (شيخ عشيرة القروق لاحقاً)، وكان يريد أن تكون هذه الوليمة كبيرة، وبالفعل وقع اختياره على بستان (الكريم) المملوك للشيخ علي بن محمد رحمه الله (والد كاتب المذكرة)؛ نظراً لقربه من عين تدعل، ومن البلدة، ومناسبته لإقامة الزواجات، وكان الماء ينقل إلى الكريم من عيون الماء بطرق بدائية، لقلة الإمكانيات المادية والفنية آنذاك، كما أصبحت تقام حفلات الأعراس في بساتين عدة في مختلف أنحاء العلا. ونخلص من قراءة هذه المذكرة إلى أنه على الرغم من قلة الإمكانيات، وقسوة الظروف، التي أحاطت بالحياة المعيشية التي عاشتها تلك الأجيال، إلا أنهم عوضوا ذلك بتكاتفهم وتماسكهم، ويفزعون في بناء بيت العريس، وتجهيزه، ويقفون معه في كل صغيرة وكبيرة، كما أن دور وجهاء المجتمع كان فعّالاً في معالجة بعض الظواهر الاجتماعية السلبية، مثل ارتفاع المهور، ومع أن حفلات الأعراس في تلك الفترة غالباً ما تكون شاقة ومكلفة، إلا أنها تمنح المجتمع أريحية اجتماعية، وتزيده سعادة وتكاتفاً.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد