وقعت بين يدي مذكرة مهمة (غير منشورة) تحكي وتوثق جانباً من مظاهر الحياة الاجتماعية في العلا، ألا وهو جانب الزواجات. ويمتد توثيق عادات الزواج في العلا، بحسب هذه المذكرة، إلى 3 قرون خالية، التي كتبها الشيخ أحمد علي الغيثي - رحمه الله - في جمادى الثانية من عام 1412هـ، لخّص فيها - رحمه الله - ما عاصره وحتى ما سمعه من الجيل الذي سبقه، أما ما سبق ذلك فقد اعتمد على الوثائق المخطوطة في توثيق هذه العادات. والشيخ أحمد علي الغيثي - رحمه الله - من أعيان محافظة العلا، وقد عُرف بالصلاح والتقوى - ولا نزكي على الله أحداً - وهو من رجال العلا الثقات، ومن رواد التعليم الأوائل في العلا. في هذه المذكرة يتحدث الغيثي عن وثيقة مؤرخة بسنة 1133هـ لعقد زواج حدث في ذلك التاريخ، فيقول جاء فيها: (عقد زواج حمامة بنت حمد بن عبد الرحمن بن عساف، لعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، جملة صداقها عليه، أربعون قرشاً، والقرش أربعون دونية، ثلاثون مقدم، وعشرة مؤخر، وسبعة ملابس، وعباة زمل (أو قطيفة)، وحجة مكلفة، والجارية رهن في نصف سدس معين (أي نصف سدس في مياه إحدى العيون الجارية بالعلا)، وأمها لها أربعة خطوط صافية قلمية، وشمطي محضي وأحمر وفاته وأربع صافي أو فاته (هذه أسماء لبعض الأقمشة والحلي). بشهادة الشيخ عمر. شهد الشيخ محمود بن عبد الرحمن. شهد جمعة بن عبد الدائم. شهد محمد بن علي. شهد سلمان بن صباح. شهد القاضي محمد بن عبد الله شريان وخطه 1133هـ). بعد ذلك يورد الغيثي منقولاً عن وثيقة أخرى، توثق عقد زواج تلا الزواج السابق بخمسين سنة. فيقول: (عقد زواج عائشة علي بن عساف بن عبد الرحمن بن سلمان، وهي ثيب، لأحمد بن ناصر بن أحمد بن حمدان بن دريهم، جملة صداقها عليه أربعون قرشاً، ستة وثلاثون مقدم، وأربعة قروش مؤخر، وسبعة ملابس، وفراش عباة زمل (أو قطيفة)، وحجة مكلفة، والجارية عنها رهن ثلاثة أرباع سدس معلق خامسة عليم (أي عين المعلق، وعليم اسم رجل من الأولين)، وأربعة خطوط لأمها أحمر ولفاته سرى وشمطي ومليسله وعفري وأربع أصواع فوه وأربعمائة قلب. شهد إبراهيم بن حمد بن علي وحمدان بن محمد أبو حوى وموسى بن سعد بن عيسى وجمعة بن عبد الدائم. وخط القاضي أمين بن أحمد بن محمد أمين في شهر ربيع أول عام 1183هـ). ويعلق الغيثي - رحمه الله - على ما جاء في الوثيقتين قائلاً: (هذه الشروط المعقود عليها لمن يرغب الزواج، وإذا لم توجد، ولم تتوافر عند الخاطب، فليس فيه زواج، ولو أمضى العمر كله بدون زواج)؛ لذا يرى الغيثي أن هذه الشروط المبالغ فيها - آنذاك - ساهمت في العزوف عن الزواج، وبالتالي تأثر النمو السكاني في العلا، واستمر الوضع على ما هو عليه، وارتفعت نسبة العنوسة، إلى أن حدث موقف تسبب في تخفيض هذه المهور، مع الشيخ علي شيخ عشيرة العلي رحمه الله. هذا الموقف يرويه الشيخ أحمد الغيثي في مذكرته قائلاً: ( كان هذا الشيخ يمر بمزرعته، وإذا بصوت منخفض من بنات عانسات، كبيرات السن، وهن في حقولهن، يخرفن ويحمين المزرعة من الطيور وغيرها، وهن يرددن هذه الكلمات الشعرية على ألسنتهن بصوت منخفض: يا علي يا شيخنا. رخص اسياقنا... إلخ) ويضيف الغيثي: لما سمع هذا الرجل الغيور - يقصد الشيخ علي - ما سمعه من البنات العانسات جمع مشايخ البلد وكبارها وتلا عليهم ما قد سمعه من بناتهم، واتفقوا على تخفيض المهور، وعلى هذا أجمعوا رأيهم واتفقوا على إلغاء الشروط المسبقة من حجة وجارية وقطيفة وعباة زمل وسبعة ملابس وأربعين قرشاً وشمطي لأمها. وتم الاتفاق على أن يكون المهر اثني عشر ريالاً ونصف للبنت البكر، وللثيب نصف صداق البكر، والتزم بهذا أهل البلدة قاطبة. إلا أن الغيثي يحكي لنا في مذكرته أن ارتفاع المهور عاد مجدداً في سنة 1350هـ، حتى وصل صداق البنت إلى مائة ريال، وأحياناً مائة وخمسين ريالاً. وهنا اجتمع شيوخ وكبار العلا مجدداً، واتفقوا على تخفيض المهور، وأقروا على أن يكون صداق البنت خمسين ريالاً وللثيب نصف صداق البكر، والتزم الجميع بذلك.