الأمم المتخلفة تُحطم رجالها ومبدعيها ثم تبكي عليهم، تماماً كالأطفال (الجهلة) الذين يُحطمون ألعابهم بأيديهم ثم يبكون عليها، والتحطيم الذي أعنيه هو تجاهل إنجازات الرجل - حياً - سواء عن جهل أو تهميش أو حسد، وفي الحالة الأخيرة التي تُعتبر (عداوة) عميقة ساكنة لا يمكن معالجتها بأي الوسائل والطرق، تماماً كما قال الشاعر: |
(كل العداوة قد تُرجى إماتتها |
إلا عداوة من عاداك عن حسد) |
أي أن هذه العداوة كامنة متأصلة لا يمكن اكتشافها لأنها تقبع في ذات الحاسد الفاسد، لذلك تبقى كالجمرة الضئيلة في ذاته المعتمة لا تضيئها بل تأكلها شيئا فشيئا تماما كما قال الشاعر الآخر: |
( اصبر على كيد الحسود |
فإن صبرك قاتله |
فالنار تأكل بعضها |
إن لم تجد ما تأكله) |
ولأننا - نحن العرب - على وجه الخصوص لسنا صرحاء - أصلاً - مع أنفسنا ومع الآخرين أيضاً في إبداء المحبة أو الكراهية لحساسيتنا الشديدة تجاه النقد والنقد الذاتي وضعفنا الذريع أمام الحقيقة والمواربة والمراوغة أمامها بطريقة (ثعلبية) عجيبة فإننا إما أن نقول رأينا الشخصي بالآخر بطريقة متملقة كاذبة أو نصمت صمت السلاحف لوأد ذاك الرأي، لذلك كثيرا ما نختلف إذا ما مات أحد (أعلامنا) على تقييمه الصريح - إذ لربما يطفح ما في النفس ويفيض ليكشف كمية الحقد والحسد الكامنة في أنفس البعض أو أن ينضم هذا (البعض) للجوقة الباكية على (العَلَم) الراحل بكل رياء مقيت. لذلك فإنه من الضرورة القصوى أن نكتب تاريخ (أعلامنا) - رجالنا، مبدعينا، رموزنا، وهم أحياء ليروا حقيقة مشاعرنا وحقيقة منجزاتهم الجديرة بالذكر وهذا العمل الكتابي هو تسجيل للسيرة الذاتية للرجل ليرى نفسه في مرآة الآخر ليقوّم نفسه أو يقيمها حقاً قبل الموت لذلك أدعو فعلاً للكتابة عن الأحياء وتقييم أعمالهم ليشعروا بقيمة ما فعلوا سواء كان ذلك سلبا أو إيجابا (سواء أكان ذلك نثرا أو شعرا)، أما بالنسبة للباب الأول النثر فإنني أنوه هنا بتجربة الصديق زياد الدريسي، والصديق محمد الهزاع واللذين كتبا عن رجال أحياء يتميزون بمميزات خاصة وكذلك فعل صاحب (رجال من الذاكرة) الأستاذ الطويان وغيرهم من سابقيهم كما فعل المؤرخ خير الدين الزركلي وغيره من المهتمين ب(سير الأعلام). |
|
بقي أن أشير هنا إلى نقطة مهمة وهي إجابة على تساؤلات العديد من الإخوة الشعراء الشعبيين الذين كثيرا ما يُخذلون بمن يتوسمون فيهم الخير ويدبجون بهم القصائد التي تصف حقيقتهم الظاهرة والذين غالبا ما يخبون آمالهم على غير ما توقعوا وهنا فليسمح لي الإخوة القراء أن أقول للإخوة الشعراء: بل اهجوا بعد المدح من لم يكن كفؤا له لأنه مخادع كبير قد خدع الشاعر والشعر والمجتمع وبذا تردون إلى الشعر اعتباره وللشاعر كرامته. |
|