أحدثت شبكة الإنترنت ثورة في الاتصالات في العقد الماضي، فجمعت الناس حول أي غرض من الأغراض الممكن تصورها. يتطرق المؤلف هنا إلى العديد من المُبتكرات على شبكة الإنترنت التي بدأ التعامل بها في الميدان السياسي، حيث بدأ المرشحون، كما المواطنون الذين حتى يفوقونهم إبداعاً، يستعملون هذه التكنولوجيا للتأثير في الناخبين. سوف تمثل الانتخابات العامة لسنة 2008م في الولايات المتحدة بلا شك حداً فاصلاً في التاريخ الأميركي، ولكن ليس بالضرورة بسبب أي مرشح ما أو سياسة مُعينة. فكما جرت عليه العادة في الدورات الانتخابية الأخيرة، صارت شبكة الإنترنت وسيلة سياسية فعّالة بالنسبة للحملات الانتخابية، وجمع الأموال، وانخراط المجتمع المدني فيها. أمّا ما الذي يجعل هذه الدورة الانتخابية بالذات مُثيرة للاهتمام فهو أن الكثير من الابتكارات التي تحصل في مجال الإنترنت ليست من صنع الحملات أو السياسيين أنفسهم، بل من صنع الشعب الأميركي.
إن الوصول إلى شبكة الإنترنت ليس ظاهرة جديدة على الإطلاق في الولايات المتحدة، فابتداءً من منتصف التسعينات، حاز الملايين من الأميركيين على فرصة الوصول إلى شبكة الإنترنت، والمهارات التكنولوجية المرافقة، سواء كان ذلك في البيت، أم في العمل، أم في المدرسة. ووفقاً لتقرير أصدره في حزيران - يونيو 2007م مشروع (بيو إنترنت وأمريكان لايف)، فإن 71% من جميع الأميركيين البالغين أصبحوا يملكون إمكانية الوصول إلى شبكة الإنترنت من داخل بيوتهم، بينما أصبح حوالي 50 بالمئة من البالغين لديهم إمكانية الوصول السريع إلى شبكة الإنترنت عبر نطاق الترددات الواسع العالي السرعة.
وفي وضع مشابه كذلك، نجد أن السواد الأعظم من المدارس الحكومية الأميركية والمكتبات العامة أصبحت موصولة بالإنترنت. هذا ولا يزال هناك بعض الثغرات في إمكانية الوصول هذه بسبب عدم توفّر المهارات لدى السكان المهمشين والمحرومين، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمستويات التعليم والدخل، وكذلك الأمر بالنسبة للمتقدمين في السن، والمعاقين، والأقليات الإثنية. لكن الاتجاه العام طيلة العقد الماضي تميز بالتنامي البارز في إتاحة الدخول إلى الإنترنت.
مجتمعات افتراضية
كما ابتدأ أيضاً عدد متنامٍ من مستخدمي شبكة الإنترنت المشاركة في مجتمعات الإنترنت. ولم تكن هذه المجتمعات ظاهرة جديدة بأي حال من الأحوال، ذلك لأن جماعات البريد الإلكتروني ومجتمعات لوحات الرسائل عبر الإنترنت كان لها بعض الوجود منذ سبعينيات القرن العشرين. ولكن مع تطور الإنترنت لكي تصبح ظاهرة سائدة، فإن هذا النوع من المجتمعات التي تكوّنت على الإنترنت صارت بدورها اتجاهاً سائداً أيضاً. وبدلاً من أن يبقى الناس محكومين لسيطرة جماعات ذات توجهات تكنولوجية، فإنهم شرعوا بأنفسهم في تشكيل مجتمعات على الشبكة حول المجتمعات الجغرافية القائمة، من أمثال المدن والأحياء المجاورة، إضافة إلى المجتمعات التي تجمع بين أفرادها اهتمامات مشتركة، مثل الهوايات أو الجمعيات المهنية.
وبحلول بدايات العقد الحالي، كانت المدونات الإلكترونية، على وجه الخصوص، قد أقلعت بجديّة حيث بدأ الألوف من الناس ينشؤون المدونات الخاصة بهم. وخلال بضع سنوات، لم يلبث هؤلاء الألوف من أن يصبحوا ملايين. ولم يحتج الأمر من بعض الناس إلى الكثير من الوقت لكي يقوموا بنشر مذكرات يومية حول القضايا السياسية. وسرعان ما صار أصحاب المدونات يحشدون المناصرين للقضايا السياسية أو للمرشحين الذين يشاركونهم في الرأي. ثم ما لبثوا أن استعملوا أدوات مجتمعات الإنترنت من أجل تنسيق التفاعل فيما بينهم.
إن أحد أفضل الأمثلة المُبكِّرة المعروفة عن مجتمعات الإنترنت الشعبية هذه، وهي المعروفة أيضاً بالمجتمعات (الناشطة سياسياً) على الشبكة، كانت الحملة الرئاسية لهوارد دين خلال العام 2004م. فالمرشح دين الذي طالما اعتبرته الصحافة، كما المعلقون السياسيون، مجرد مرشح من الدرجة الثالثة، قد تمكن من استثارة حماس شديد على الإنترنت وذلك من خلال استخدام المدونات، وحملات الرسائل المكثفة عبر البريد الإلكتروني، والنقاشات التي تدور رحاها عبر مجتمعات الإنترنت. وسرعان ما صار دين يتلقى الدعم السياسي، بما في ذلك التبرعات المالية من ألوف الناس في أرجاء البلاد. وعندما ازداد التعريف بسيرته الشخصية على الشبكة، فإن وسائل الإعلام الرئيسة بدأت هي بدورها تغطي أخباره بصورة أوسع أيضاً، وذلك بعدما باتت تشعر بنجاحاته التي حققها في تمويل حملته، كما بتعاظم قاعدة شعبيته على الشبكة. فخرج هذا الرجل من المجهول تقريباً وبات قوة سياسية لا بد لها من أن تؤخذ بعين الاعتبار. ومع أنه خسر في نهاية المطاف ترشيح الحزب الديمقراطي له، إلاّ أن تقنياته التنظيمية الناجحة عبر الإنترنت قد ساعدت في تطوير البنية التحتية على شبكة الإنترنت للناشطين الليبراليين لكي يحتشدوا في سبيل قضايا أخرى.
قسم خاص بالمدونين على الإنترنت أنشئ قرب القسم الرئيس لكتّاب محطات البث والصحافة المطبوعة، أثناء المؤتمر القومي الديمقراطي. وقد قامت مدونة (البلوغرز بوليفارد) بتغطية أعمال المؤتمر السياسي القومي تغطية حية للمرة الأولى في العام 2004م وذلك في بوسطن، بولاية ماساتشوستس.? AP Images - لورين بورك كما أن ثمة حملات أخرى شعبية ناشطة سياسياً على شبكة الإنترنت كانت قد سبقت حملة دين، وهي ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا. والمثال على ذلك هو أن مؤسسي إحدى شركات برمجيات الكمبيوتر في منطقة سان فرانسيسكو كانوا قد بدأوا بإرسال رسائل بالبريد الإلكتروني إلى أصدقائهم وزملائهم الناخبين في العام 1997م طالبين منهم المبادرة إلى حثّ المسؤولين الذين كانوا قد صوتوا لهم أن يضعوا حداً لعملية الاتهام في الكونغرس التي كانت مساقة يومها ضد الرئيس بيل كلينتون، وأن (ينتقلوا) إلى مسائل سياسية أخرى. وقد كان لهذه الرسائل الإلكترونية صدى طيب لدرجة أن هؤلاء الأصدقاء والزملاء بدأوا بتوجيه الرسائل نفسها إلى غيرهم من الناس. ومع مرور الوقت، قامت هذه الحملة الصغيرة بتنظيم نفسها لتصبح في ما بعد منظمة متواصلة للسياسات العامة، تركز اهتمامها على القضايا التقدمية، وأخصها العمل على إنهاء الحرب في العراق. وهذه المنظمة (Iraq.MoveOn.org) هي الآن إحدى أقوى لجان العمل السياسي في أميركا بما لها من الملايين من مستعملي شبكة الإنترنت الذين يشاركون في حملاتها السياسية المستندة إلى البريد.