الرياض - عبدالعزيز السحيمي
توقع وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية بدول مجلس التعاون الخليجي استمرار نمو اقتصادات دول المجلس بمعدلات جيدة مع استمرار مخصصات الإنفاق على المشروعات الهادفة لرفع الإنتاجية والطاقة الاستيعابية وتسارع وتيرة الدور الذي يلعبه القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية.
وأشادوا بالأنظمة الرقابية المصرفية بدول المجلس ودورها في حماية وسلامة النظام المصرفي، وأهمية الاستمرار بتوطيد القدرات الرقابية على القطاع المالي في التعامل مع المستجدات والتطورات. كما أكدوا على أهمية تعزيز التنسيق بين الجهات الرقابية لمراقبة تطورات الأزمة المالية العالمية للتمكن من مواجهة أية تداعيات محتملة على الاستقرار المالي.
ونوه المسؤولون خلال اجتماعهم أمس بالرياض بما اتخذته دولهم من إجراءات للتعامل مع أية آثار محتملة للأزمة المالية العالمية والاستعداد لاتخاذ أية إجراءات ضرورية وفقاً لحاجة كل اقتصاد وظروفه.
مؤكدين ثقتهم باستقرار القطاع المالي بدولهم لما يتمتع به من ملاءة ومتانة إضافة للأوضاع الاقتصادية الجيدة للمنطقة بما يمكن التعامل مع أي آثار محتملة.
ودعا الاجتماع إلى إعادة هيكلة النظام المالي العالمي وإشراك الدول الرئيسة والمهمة اقتصادياً في اتخاذ القرار الاقتصادي العالمي.
الأمانة العامة تحذر
وحذرت الأمانة العامة لدول مجلس التعاون عبر مذكرة أعدتها وحدة الاتحاد النقدي حول درء آثار الأزمة العالمية عن اقتصاد دول المجلس من الآثار النفسية للأزمة التي تمثل أولى التحديات لدول المجلس والتي قالت إنها تملك كل المقومات اللازمة لمواجهة أية آثار مباشرة للأزمة، غير أن التبعات النفسية للأزمة (حتى وإن كانت غير مبررة في أغلب الأحوال) عندما تخرج من دائرة القلق إلى دائرة التأثير على السلوك، فإنها تتحول إلى سبب رئيس للأزمة، لهذا فإن الوضع الراهن في دول المجلس قد يجعل التعامل أولاً مع الآثار النفسية للأزمة وسيلة للسيطرة على أية آثار أخرى للأزمة.
وصنفت المذكرة منابع الأثر النفسي للأزمة العالمية على الاقتصاد الخليجي وفقاً لمحورين الأول تخوف المواطنين في دول المجلس من فقدانهم لودائعهم المصرفية والذي أشارت إلى أنه غير مبرر نظراً لأن التحدي يكمن في كيفية إقناع المواطنين بعدم جدوى هذا التخوف، وأن خروج مخاوفهم من دائرة الظن إلى دائرة الفعل، من خلال سحب الودائع من النظام المصرفي، سيكون مسبباً لأزمة فعلية تضاهي تلك القائمة في عدد من دول العالم، فخطة الإنقاذ الأمريكية - على سبيل المقارنة - تحاول مواجهة عدد من الإشكاليات من أبرزها محاولة منع حدوث هيستيريا سحب الودائع، بينما قد يقود سلوك المواطنين في دول المجلس وتخوفهم المبالغ فيه إلى حدوث هيستيريا سحب الودائع في دول المجلس بصفة غير مبررة.
أما المحور الثاني فيتمثل في تخوف المواطنين والمؤسسات المالية من مزيد من الانهيار في أسواق الأسهم حيث أوضحت المذكرة أن النظرة القاتمة للمتعاملين في أسواق الأسهم في دول المجلس سواء أفراداً أو مؤسسات تجاه الأزمة المالية العالمية قد تؤدي إلى المزيد من التراجع في البورصات الخليجية، وهذا في نهاية المطاف له انعكاسات على الاقتصاد الحقيقي وتحديداً الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري.
تفاقم الأثر النفسي للأزمة
وأبانت المذكرة أن تفاقم الأثر النفسي للأزمة سيؤثر على القطاع المصرفي من خلال زيادة تخوف المودعين من فقدان ودائعهم إلى تزايد احتمالات تناقص أحجام الودائع في النظام المصرفي. وهذا الأمر سيشكل ضغطاً على وظائف البنوك المحلية، ومؤسسات النقد والبنوك المركزية وعلى السيولة في اقتصاد دول المجلس، إضافة إلى الضغط على الدور الإنمائي للنظام المصرفي في توفير التمويل للمشروعات التنموية ومشروعات التوسع الاقتصادي.
أما بالنسبة للأثر النفسي على أسواق الأسهم فيتمثل في حدوث المزيد من التراجع في هذه الأسواق مما سيفاقم من تبعات هذه الأزمة على اقتصاد دول المجلس، وأيضاً تآكل مدخرات المواطنين وتأثير ذلك في نهاية المطاف على السلوك الاستهلاكي للأسرة الخليجية وما يولده من آثار على حجم الإنفاق الاستهلاكي الخاص الذي يتراوح بين 30 إلى 40 في المائة من الناتج الإجمالي للاقتصاد الخليجي، وما لذلك من تبعات على النشاط الاقتصادي، وعلى مستوى الرفاه الاجتماعي لمواطني دول المجلس.
وكذلك الآثار الاجتماعية والنفسية لاحتمالات فقدان الأسر الخليجية لمدخراتها واستثماراتها في هذه الأسواق، كما أن تبعات تراجع أسواق الأسهم قد يزيد من الضغط على ميزانيات دول المجلس للمحافظة على مستوى الرفاه الاجتماعي سواء من خلال منظومات الضمان الاجتماعي أو من خلال الدعم المباشر كما جرت العادة.
ومن الآثار أيضاً ضعف الدور التمويلي لأسواق الأسهم، كونها تشكل قناة لتمويل رؤوس الأموال للشركات المساهمة الناشئة، وتمويل زيادات رؤوس الأموال للشركات المدرجة التي ترمي إلى توسيع أنشطتها التشغيلية وضعف هذا الدور يأتي نتيجة إلى تراجع رغبة المتعاملين في هذه الأسواق ونتيجة لفقدان الثقة فيها، مما قد يشكل ضغطاً متزايداً على النظام المصرفي للانفراد بالدور التمويلي في الاقتصاد.
وأخيراً ضعف الدور الاستثماري لأسواق الأسهم والتي تمثل قناة استثمارية هامة للمواطنين والمؤسسات الخليجية، وتراجعها نتيجة الآثار النفسية للأزمة قد يؤدي إلى تراجع هذا الدور لا سيما لأصحاب المدخرات الصغيرة من المواطنين.
وقالت المذكرة أن تزايد التأكيدات على أن نمو الاقتصاد العالمي سيتراجع بصورة ملموسة خلال الفترة القادمة، وهذا الأمر قد يؤثر بصورة بالغة على اقتصاد دول المجلس من خلال تأثيره على القطاع الحكومي وفق التصور التالي:
- احتمالات تراجع العوائد النفطية نتيجة التراجع المحتمل للطلب على الطاقة.
- تراجع العوائد من الاستثمارات طويلة الأجل لدول المجلس في الخارج، نتيجة تزايد احتمالات الركود الاقتصادي في أماكن وجود هذه الاستثمارات.
- تراجع عوائد دول المجلس نتيجة تأثر استثماراتها المالية في الخارج.
ونتيجة للدور المحوري للقطاع الحكومي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول المجلس، فإن هذا الدور قد لا يتأثر على المدى القصير، ولكنه في أغلب الأحوال قد يتأثر في المدى الطويل نتيجة تراجع هذه العوائد في ظل استمرار الأزمة المالية العالمية وعدم القدرة على تحييد آثارها على الاقتصاد الخليجي.
التأثيرات الحالية والمستقبلية والسيطرة عليها
ومن ناحية السيطرة على التأثيرات الحالية ودرء التأثيرات المستقبلية لتكثيف الوجود الحكومي في القطاع المالي في دول المجلس دعت مذكرة الأمانة العامة إلى توجيه جزء من الاستثمارات الحكومية في دول المجلس (من خلال الصناديق الاستثمارية الحكومية) للاستثمار في أسواق الأسهم الخليجية، بهدف بث الطمأنينة للمتعاملين في هذه الأسواق والحد من الآثار المترتبة على انهيارات البورصات، والاستفادة من الفرص الاستثمارية التي تتيحها حالياً أسواق دول المجلس (كنافذة لتحقيق العوائد الحكومية) ولتعزيز وجود الاستثمار المؤسسي في هذه الأسواق مما يزيد من استقرارها وتطورها وتحجيم السلوك الفردي والعشوائي فيها.
تقوم حكومات دول المجلس بتوجيه المزيد من ودائعها للبنوك المحلية حفاظاً على نسب أعلى من السيولة المتاحة لهذه البنوك في ظل تراجع المخاوف من الضغوط التضخمية ولضمان عدم تأثر عجلة النمو الاقتصادي، فإن من الملائم أن تستمر دول المجلس في الحفاظ على مستويات عليا من الإنفاق الحكومي. والاستمرار في تنسيق السياسات النقدية الكفيلة و آليات إدارة السيولة.
وبالنسبة للسيطرة على الأثر النفسي فقد أكدت المذكرة أنه سيكون من خلال الخطوات التالية: الإعلان المشترك بأن دول المجلس جميعها تضمن الودائع المصرفية، وذلك تفادياً لهجرة الودائع من دولة لأخرى، وقيام الصناديق الاستثمارية الحكومية بتوجيه بعض استثماراتها إلى أسواق دول المجلس، وإدارة هذه الاستثمارات بالكفاءة التي تحافظ على استقرار هذه الأسواق، وقيام دول المجلس بتعزيز الاستثمارات فيما بينها تلافياً لتعثر المشروعات التنموية، وتشجيع القطاع الخاص على المشاركة في هذه المشروعات.
ودعت المذكرة إلى تسريع برامج التكامل الاقتصادي بين دول المجلس وعبر تفعيل السوق الخليجية المشتركة وتذليل العقبات أمامها وتكامل الأسواق المالية في دول المجلس، والتعجيل بإقامة الاتحاد النقدي بين دول المجلس وبناء مؤسساته.
السيطرة على الأزمة
ودعت مذكرة الأمانة العامة إلى زيادة التنسيق وتبادل المعلومات بين دول المجلس للسيطرة على منافذة الأزمة عبر تشكيل لجنة عليا لدراسة الأزمة وتبعاتها وتطوراتها، وتزويدها بالمعلومات اللازمة وبشفافية تمكنها من تقدير حجم التأثير المحتمل لتتمكن من وضع الحلول الدقيقة. وتشجيع الاستثمارات البينية بين دول المجلس لتغطية النقص الذي قد ينجم نتيجة تراجع الاستثمار الأجنبي في قطاعات الاقتصاد الحقيقي. وأيضاً إعادة دول المجلس تقييم خططها الاستثمارية في الخارج. وكذلك متابعة أسواق الطاقة ووضع الحلول المناسبة لضمان استقرارها بما يقلل من الضغط على العوائد النفطية لدول المجلس.