من الواضح أن المشاهد العربي والقنوات الفضائية يعيشان في (أزمة ثقة) فلا المشاهد يعد يثق فيما تنقله له اليوم عشرات القنوات بمختلف تخصصاتها ولم تعد إدارات الفضائيات وعقولها تعرف ماذا يريد مشاهدها العربي.
ومطلع التسعينات الميلادية بزغ لنا مصطلح الطبق الفضائي ومعه خرجت لنا القنوات بمسماها الفضائي وكان أغلبها يحاكي الأسرة بمعنى القنوات (العائلية) ثم بدأ التطور في البث فجاء التشفير ومنه ولدت القنوات المتخصصة كقنوات الأفلام والأطفال والأغاني ثم انتقل هذا (العبث) من القنوات (المدفوعة) إلى القنوات المفتوحة التي قتلت أي أمل لقنوات التشفير في الصمود أمام الزحف (المفتوح) فولدت قنوات إخبارية ورياضية وتسالٍ ووثائقية ومنوعة ودينية وجميعها يستطيع المشاهد حضورها بالمجان.
وتحاول هذه الفترة القنوات الرسمية الوقوف سدّاً منيعاً أمام هذا الزحف المفتوح الذي أشعر بأنه دون (رقيب)، فيما تحاول الرسمية الإبقاء على أكبر قدرٍ ممكن من المشاهدين في وقتٍ أصبح جهاز التحكم في متناول جميع أفراد الأسرة وانتهى زمن (الاحتكار) للأبد.
وحين أعود لأزمة الثقة فإنني أرى بأنه لا يوجد للمشاهدين (العرب) أيّ برنامج عربي استطاع أن يجمعهم في وقتٍ واحد ولعل برنامج (من سيربح المليون) في نسخته الأولى كان هو بيضة الديك التي اجتمع حولها العرب ثم ندموا فعاد كل يغرد على ليلاه.
ولأن معظم القنوات (الخاصة) حاولت مخاطبة غرائز الشباب فقد انتشرت برامج الواقع كانتشار الحبر في الماء ولا استثني من ذلك غالبية الفيديو كليبات المخجلة والبرامج السطحية والقنوات (الرخيصة) التي تدعو للدجل والشعوذة والتعارف والزواج التي استغلت هذه الفجوة فدخلت عبرها ونجحت.
ولا نستغرب أن يتجه البعض إلى تثبيت القنوات الوثائقية في ظل عدم الثقة بما تفيض به الفضائيات الأخرى وهنا لن أتحدث عن القنوات الإخبارية التي تعمل وفق أيديولوجيات وأجندات مسبقة.
يقول لي مسؤول في قناة عربية (ضخمة) ذات لقاء:
لم يعد لدينا ثقة في المشاهد العربي حيث نجهز له برنامجاً ضخماً ويكلفنا الوقت والمال والجهد ثم نجده ينصرف عنَّا لمتابعة برنامجاً لم يُكلّف قناة أخرى عُشر ما خسرناه (انتهى).
لا أعلم اليوم على من أرمي لومي، هل أرميه على الفضائيات التي لم تحسن استغلال هذه النعمة عليهم للارتقاء بما تفخر به شعوبهم أو مشاهديهم أم هل ألوم المشاهدين الذين استهواهم الرقص والمسلسلات التركية والبحث قدر المستطاع على ما من شأنه تسطيح ثقافتهم ومسح ما تبقى لهم من قيم.
هناك حلقة مفقودة في هذا الأمر وأشعر بأن المعلن له يد في هذه القضية التي أشعر أنها لو فتحت لتقاذف الجميع الاتهامات حولها ولحاول كل واحد تبرئة نفسه لعدم كفاية الأدلة.
fm248@hotmail.com