كان العرب فيما مضى من زمانهم، يحترمون المرأة، وينأون عن امتهانها أو احتقارها أو إهانتها، أو حتى مسها بما يخدش شرفها وكرامتها، ومن الرجال من ربته أمه أو أخته، حتى أصبح رجلاً يعتد به، ومنهم من كان يكنى باسم أخته أو ابنته، ومن كان (يعتزي) بها...
كذلك في المواقف الحازمة دون حرج أو عيب في ذلك، وعرفنا في قرانا وحواضرنا وحتى في بعض بوادينا، من يفخر بأمه أو أخته أو بنته، فيذكر اسمها في المجالس، ولا يقول ما يقوله ظلمة وجهلة هذا الزمان: (الحرمة أكرمكم الله)..! والعرب هم الأمة الوحيدة ربما، التي تطلق على المرأة أكثر من سبعين وصفاً، كلها في جمالها وأناقتها وفتنتها وخفة دمها، وهذا من باب الاحترام والتبجيل دون شك، وليس كله بدوافع غريزية كما قد يرى البعض من أصحاب النوايا السيئة، وهو امتداد لما جاء به الإسلام الذي عزز المرأة، وبين حقوقها، وحفظ كيانها في حياتها إلى جانب الرجل، حتى رأينا كيف كانت لزوجات الرسول صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه وبناته، وزوجات الخلفاء الراشدين من بعده، مساهمات حضارية في الأمة، ومهمات عملية تتناسب مع طبيعتهن البشرية، وكان منهن من كانت تروي أحاديث شريفة، ومن تسهم في دعم المعارك الحربية، وتطبب الجرحى.
ومنذ أزمنة طويلة كذلك، والرجال العرب، يشتجرون ويحتربون، ولكنهم كانوا يجعلون للمرأة حصانتها ومكانتها، فلا يحشرونها في اشتجارهم، ولا يدخلونها في احترابهم، وهذه من فروسية العرب وشمائلهم، حتى قال شاعرهم الرقيق، (عمر بن أبي ربيعة)، تنزيهاً للمرأة عن الخنى والردى:
كتب القتل والقتال علينا
وعلى الغانيات جر الذيول
أما في زماننا هذا، فقد كثر المبتذلون لاسم المرأة، المنتهكون لحرمتها، والمتواكلون على كيانها، فطالبوا المتعة والمال، يجعلون من جسد المرأة سلعة متعرية، يعرضونها في أفلام ومسلسلات وقنوات ونحوها، وهم بطبيعة الحال، لا يجدون كبير عناء في الحصول على نساء، يقبلن هذه الأدوار الرخيصة، من أجل شهرة زائفة، ومال بخس نحس.
وفي المقابل، هناك من رفعوا شعارات دينية، ينادون من خلالها بالدفاع عن المرأة، ويدعون حمايتها من الذئاب البشرية كما يقولون، ولكنهم لا يجدون حرجاً في التحلل من شعاراتهم وادعاءاتهم هذه، إذا أرادوا استخدام المرأة سلاحاً ضد خصومهم في أكثر من ميدان، ففصائل القاعدة الإرهابية في العراق، يستخدمون بكل بشاعة، شابات مفخخات في تفجير الأسواق والمساجد والحسينيات والتجمعات البشرية، فيقتلون الناس بقنبلة بشرية هي أنثى ضعيفة، غسلوا دماغها وخدروها، فأوقعوها وأردوها، كما حدث لعدد من بنات ضعيفات، شاهدناهن على بعض التلفزات العربية. الإرهاب هو الإرهاب، حتى لو رفع شعار الإسلام، فهو لا يفرق بين رجل وامرأة، ولا بين طفل وشيخ وشاب، المهم عنده غاياته الدموية، وكل الوسائل بعد ذلك مبررة في عرفه.
في جانب آخر، وفي معارك ذكورية معاصرة، تشهدها مطبوعات ورقية، وتنضح بها منتديات إلكترونية، يساوي المتحاربون الجبناء، بين المرأة والفأر والخفاش، وربما غيرها من الحيوانات والحشرات. فلا يتورع المتحاربون الذكوريون في الجملة عادة، من التخفي وراء اسم أنثى، لتحقيق أغراض عدة يخفيها بطن المتخفي. الخفاش الأسود مثلاً، جاهد في دعم القاعدة ومحاربة خصومها سنوات طوال، ثم كفّر وزندق وفسق وعلمن، وزاد فحرض وألب على الدولة والمجتمع بدعاوى دينية، وكان حسن مفتي يقول على منبر الجمعة، غير الذي يقوله الخفاش في الساحات، إمعاناً في التخفي والتستر، حتى افتضح وانكشف أمره رغماً عنه، فاستحال من خفاش أسود شرس، إلى شتّام سبّاب بطريقة مغايرة، يقدم ما يطلبه الأتباع منه على هواهم. اسم الخفاش الأسود إذن، كان غطاءً للوصول إلى هدف، ومثله الذين يوقعون بأسماء أنثوية، في معظم المنتديات المتطرفة والمتشددة، ومنتديات أخرى لمن يطلقون على أنفسهم ليبراليين أو علمانيين، تقرأ لهذه الأسماء الأنثوية، فتشعر للوهلة الأولى، أن ليس للأنثى مكان بين السطور، إلا اسمها المستعار فقط، ما عدا حالات تحمل أسماء أنثوية، وهي تعني التواقيع التي تحملها بكل وضوح.
يوازي ما سبق، حالات تكون فيها توقيعات الأنثى صحيحة، لكنها موجهة من تيار حركي مؤثر، أو مكرهة من زوج غالب، أو مخدوعة منقادة لأفكار ذكورية بحتة، وهذا ناتج عن ضعف الأنثى نفسها في بعض الحالات، واستسلامها لعواطفها، وفي هذه الحالة وتلك، تجد الأنثى نفسها رغماً عنها، تخوض معركة ذكورية، لا ناقة لها فيها ولا جمل. حصة العون مثلاً، كاتبة أرادت ذات يوم، أن تُعرف فتُصرف، فانساقت طائعة، أو موجهة ذكورياً، لحبك رواية مضحكة، مفادها أن سفارة غربية دعتها وأغرتها مالياً، لتكتب ضد هيئات الأمر بالمعروف وجهاز القضاء..! هذا الزعم جاء لتعزيز فرية د سعد بن بريك ضد كتاب ومثقفين في بلاده، لا يملك دليلاً عليها ولن يأتي بدليل واحد حتى يموت، وأنا أتحداه هو وحصة وكل من وقف معه إلى يوم الدين. وورود الهيئات والقضاء في زعم حصة إياها، يثبت الوضع والصنعة في الحبكة الروائية، ويشير إلى امتهان اسم الأنثى في تعزيز الفرية، إلى جانب فزعات من أسماء ذكورية أثارت النقع فوق رءوس الكل للتمييع. وحصة لم تسأل نفسها قبل حبك القصة: لماذا اختارت هذه السفارة الغربية حصة، دون بقية الكتاب والكاتبات المعروفين على الساحة..؟ إلا إذا أرادت حصة أن تقول لمن يعنيهم الأمر: بأن السفارة دعت كل الكتاب والكاتبات، فخضعوا وخنعوا وقبضوا، إلا هي وحدها وابن بريك..!!
بعد ذلك رأينا، كيف اختلق الساحاتيون اسم (نورة الصالح). اسم مغمور غير معروف، تقصّد بالسب والشتم والكذب، رؤساء التحرير وبعض الكتاب والمحررين في الصحف. الصحافة السعودية جاءت هدفاً هذه المرة، فظهر تربيط وتركيب التهم كما تعودناه من قبل ذكور في الساحات، وفي منتديات متطرفة ومتشددة بأسماء مستعارة، والهدف منها هو تشويه صورة رؤساء التحرير وكتاب الصحف، والإساءة إلى سمعتهم، ووصفهم بالعلمنة واللبررة والشهونة وسوء الخلق، لأنهم ينتقدون عادة من تطرف وتشدد وتحزب، وكأن الذين يبيحون لأنفسهم التزييف والكذب والزور، وإلصاق التهم بخصومهم، أنقياء أتقياء، لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم..!
وأسماء الأنثى التي ظهرت في حمّى التعارك مؤخراً بين أطراف مغالية ومتشددة، وأخرى ليبرالية، خاصة على الشبكة العنكبوتية، كثيرة.. وتشكل ظاهرة. (البندري) مثلاً، أرادت أن تصبح مذيعة تلفزيونية، لكنها أخفقت أمام مدير المحطة الأستاذ (حسين شبكشي)، فما كان أمامها إلا طريق الصياح والاتهام بالضرب، وهي تهمة لم تثبت قضائياً فيما بعد، لكن الخصوم المتربصين، لم يكذبوا خبراً، ولم يفوتوا فرصة الهجوم واللغوصة، فاستخدموا اسم الأنثى (البندري)، للتشنيع والتقريع والسب والشتم، وإلصاق التهم كما هي عادتهم. (قيود).. اسم آخر برز في قائمة أسماء الأنثى المبتذلة والمستخدمة والممتهنة في التحارب والتقاذف بين المتطرفين والمتشددين، وبين خصومهم من الليبراليين، في عدة مواقع تزخر بها الشبكة العنكبوتة، والإساءة للأنثى في زماننا، أصبحت صنعة متداولة، بين متاجرين بلحمها، ومحاربين باسمها، ومفسدين في الأرض بلباسها وزيها، فكم من خلية إرهابية في بلادنا، جعلت من وسائل حربها الإرهابية علينا، عباءات سوداء، وكفوف وشيلات وبراقع مما يلبسنه النساء، حتى يتحرك القتلة بحرية تامة، فلا يتعرف عليهم أحد، بحسبان أنهم نساء مصونات، يحطن في المجتمع المحافظ عادة، بالتبجيل والاحترام.
assahm@maktoob.com