العلاقة بين الإعلامي والسياسي علاقة وثيقة للغاية، ولا يمكن تخيل أحدهما دون الآخر، فالسياسة مادة دسمة لوسائل الإعلام، ولا تكاد تخلو وسيلة إعلامية من أخبار السياسة والسياسيين، بل عادة ما تكون الأخبار السياسية هي الرئيسة في نشراتها. وفي المقابل فإن وسائل الإعلام تعد من أهم القنوات الاتصالية والدبلوماسية بالنسبة للسياسيين، ومن أمثلة ذلك المؤتمرات الصحفية التي يعقدها الساسة لمخاطبة الرأي العام.
لكن من الملفت للنظر أن هذه العلاقة تطورت ولم تعد كما كانت في السابق، وذلك بسبب تطور الوسائل الإعلامية والاتصالية ودخول تقنيات جديدة، وأهمها في وقتنا الحاضر الإنترنت. ففي الماضي لم يكن للسياسيين القدرة في مخاطبة الرأي العام إلا عن طريق الوسائل الإعلامية التي تسمى باللغة الإنجليزية (الوسائط الجماهيرية)، كونها تعد وسيطاً بين الأحداث والشخصيات وبين المتلقين. كما أن معرفة ردود فعل الناس تأخذ وقتاً طويلاً، وبشكل متقطع.
أما اليوم فسمحت الشبكة الإليكترونية للمتلقين بالرد المباشر على كل ما ينشر في المواقع الإخبارية أولاً بأول مما يسمح بقياس الرأي العام بشكل سريع ومعرفة توجهات المتعاملين مع هذه الشبكة العجيبة مباشرة. ولذلك فإن وسائل الإعلام المختلفة وضعت لها مواقع إليكترونية، كما باتت لكثير من المؤسسات الحكومية والشخصيات السياسية مواقع خاصة على الشبكة.
ونجد ذلك في أوضح صورة في المواقع الإخبارية الأمريكية وخاصة أثناء الانتخابات.
فكل المرشحين السياسيين وضعوا لهم مواقع خاصة، وأيقونات للرد على ما ينشر في هذه المواقع، وهو ما يسمح للحملات الانتخابية بتغيير تكتيكاتها سريعاً من أجل التوافق مع توجهات الرأي العام، وبالتالي الفوز بأصوات الناخبين.
كما أن الصحافة (بالمعنى الواسع للكلمة) تحرص على معرفة ردود الفعل تجاه ما تنشره. وعلى سبيل المثال عندما أعلنت صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) في افتتاحيتها عن تأييدها لباراك أوباما المرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية تلقت أكثر من ألف تعليق خلال ساعات قليلة، وهو - حسب الصحيفة - ما لم يحدث في تاريخ افتتاحياتها. بل إن ذلك دفع جيم نيوتون رئيس كتاب الافتتاحيات في الجريدة إلى أن يقرر التسمر أمام جهاز الحاسوب للاطلاع على الردود أولاً بأول.
إلا أن الأهم في العلاقة في الماضي وفي الحاضر والمستقبل أن تكون مبنية على الأسس الاحترافية، وأهمها الحيادية تجاه الأحداث والشخصيات، وعدم استغلال الإعلام كميدان لتصفية الحسابات، وإنما ميدان لنقل الخبر كما هو خدمة للحقيقة، وبذلك نادت مواثيق الشرف الإعلامية.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244