Al Jazirah NewsPaper Friday  24/10/2008 G Issue 13175
الجمعة 25 شوال 1429   العدد  13175

نقشٌ على ثوب الغَمام
(مع التحية إلى الباحة، أميرة الغَمام، ومسقط الرأس)
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

 

بيني وبينَكِ طَلْحُنا المنضودُ

والتِّين والزيتونُ والعنقودُ

بيني وبينَكِ - يا عَراءُ - طفولةٌ

يحلو بها لقصائدي التَّغريدُ

وصدى الأذان يهزُّ أعماق المدى

وتكاد منه الراسيات تَمِيْدُ

جدّي يردِّده فتنتعش الرُّبى

ويثيرها التثويب والتَّرديدُ

حتى كأن خريرَ ماءِ غديرِها

وحفيفَها، التسبيحُ والتحميدُ

بيني وبينَكِ لَوْزَةٌ من شِعبنا

تاريخنا - كجذورها - ممدودُ

ما زلتُ أذكر لَوْزَها يوم الجنى

لِعِصِيِّنا فوق الغصون هَبِيدُ

ما زلتُ أذكر سِدرةً، في جذعها

صُوَرٌ بها الماضي الحبيب يعودُ

أوراقُها الخضراء شاهدةٌ على

قممٍ بناها بالإباء جدودُ

هي سِدرةٌ كتب النَّدى لغصونها

عهداً، فبابُ ذُبولها موصودُ

سيروا إليها - إنْ أردتم - إنَّها

في قريتي رَمْزٌ هناك شهيدُ

سيروا إليها واسألوا عن مولدي

فأنا أمام غصونها مولودُ

بيني وبينَكِ شوقنا لسحابةٍ

فيها وميضٌ ضاحك ورعودُ

تسقي بوادِرُها جفافَ ربوعنا

ويطيب فيها حوضنا المورودُ

وتُعيد للأرض الحبيبة زَهْوَها

ويصير مُبْتَهِجَ النَّضارةِ عُودُ

بيني وبين الباحة الظَّبْيُ الذي

في مقلتيه ترقُّبٌ وشرودُ

يجري فأَتْبَعُه، ويسبق ظلُّه

ظلِّي، ويسقط حاجزٌ وحدودُ

وتكاد تمنحنا الجبالُ ظهورَها

متناً يطيب لنا عليه صعودُ

بيني وبين الباحة الحُلم الذي

يُدني إليَّ طفولتي ويُعيدُ

فيها تجاورت البيوتُ وعانقتْ

بعضاً، وفيها صالحٌ وسعيدُ

فيها المحبة والأخوَّة، كلما

نقصت تدابير الحياة، تَزيدُ

فيها يعيش الجَدُّ عيشةَ سيِّد

وأبٌ وإبن حولَه وحفيدُ

وتعيش فيها بالمحبة جَدَّةٌ

كلٌ يصون مقامها ويَذُودُ

بيني وبين الباحة الذكرى التي

كالفجر، يبخل غيرُه ويَجودُ

تمضي الليالي ما تشاء، ولم يَزَلْ

للفجر وَجْهٌ بالصفاءِ جديدُ

ماذا سأذكر يا ربوعَ طفولتي

وأنا إليك - كما رحلتُ - أعودُ؟

أطوي من (الخمسينَ) ثوباً، كلُّه

حُبٌّ وعزمٌ ثابتٌ وصمودُ

يتناثَرُ الرَّيحان من أطرافِه

وعليه غُصْنُ الذكرياتِ يَميدُ

في مَوْزِ (ذي عَيْنٍ) عليه أدِلَّةٌ

(وبِشِلْخَةِ الكادي) شَذاه فَريدُ

نَسَجَتْهُ أُمِّي يا ربوعَ طفولتي

أُمٌّ، بها ثَغْرُ الوفاء يَشيدُ

نَسَجَتْهُ من أحلامها وشبابها

وعلى المُهَيْمنِ أجرُها الموعودُ

بيني وبين الباحة الحُبُّ الذي

أنتم ونحنُ على مَدَاهُ شهودُ

حُبٌّ ترعرع في الوفاءِ، وإنِّما

رُفِعَتْ له بيد الوفاءِ بُنودُ

شهدتْ به قمم الجبال وربما

مدح الوفاءَ الصَّخْرُ والجُلْمودُ

وكذلك الحُبُّ الكبير إذا سما

يجتازُ آفاقَ المدى ويَرُودُ

بيني وبين الباحة الأملُ الذي

نادى إليه (مُحَمَّدٌ) محمودُ

نادى بتوحيد الإله فمرحباً

إنَّ القلوب، شفاؤها التوحيدُ

هي دعوة الرُّسْلِ الكرام بها سَقَوا

نخل اليقين، فَطَلْعُهنَّ نَضيدُ

هي دعوة التوحيد طاب مُقَامُنا

فيها، وعَزَّ لواؤها المعقودُ

للراية الخضراء فيها رَوْنَقٌ

من حقِّه التفخيمُ والتَّمجيدُ

إني أقول لمن يساومها على

أمجادها، وعن الطريق يَحيدُ

ولمن يدورُ على جوانب صَرْحها

دورانَ ذِئْبٍ غادرٍ ويَكيدُ

عجباً لمن ألقى المبادئ خلفه

فلسانُه كخيالِه مكدودُ

أيضيق بالقرآن صَدْرُ موحِّد

ويسرُّه الإنجيل والتلمودُ؟!

أيضيق بالإرشاد فينا عاقلٌ

ويسرُّه التنصير والتهويدُ؟!

إنَّ القلوب يَفُوح منها ريحها

فبأيِّ رائحة يَفُوح صَديدُ؟

مَنْ كان (لامَرْتينُ) قدوةَ فنِّه

فلديَّ (حَسَّانُ الهدى) و(لَبيْدُ)

ولديَّ نَبْعُ الشعر في أرض الهدى

نَبْعٌ تباركَ حوضه المورودُ

وإذا وجدتُ الحكمةَ اقتطفتْ يدي

والعقلُ مني ثابتٌ ورشيدُ

عندي كنوزٌ في الكتاب وسنَّتي

فعلام أهجرها، وكيف أحيدُ؟!

في هذه الأرض الأصالةُ سِدْرَةٌ

في جذعها شرف المقام تَليدُ

ترتدُّ عنها السافياتُ حسيرةً

ويصدُّ عنها الذئب وهو طَريدُ

لا تحسبوا الفكر الدَّخيلَ يغرُّها

أنَّى يغرُّ الحُرَّةَ التعبيدُ

كتب الشموخُ حروفَه الأولى على

أهدابها، وبها تغنَّى الجودُ

وروى الغمامُ حكاية الخِصْب التي

تروى، لها، واستَشْرفَتْها البِيدُ

منها (الطُّفيلُ) وسوطُه وضياؤه

(وأبو هريرةَ) ما عليه مَزيدُ

والغامديُّ أبو البطولة جُنْدُبٌ

أَحَدُ الجنادب، فارسٌ مَعْدُودُ

لله دَرُّكَ يا ابن كعبٍ، حينما

لَعِقَ الترابَ الساحرُ العِرْبيدُ

للصقر عِزٌّ في الطيور لأنها

مهما تطير تُصاد، وهو يَصيدُ

يا مَنْ يساومنا على أوطاننا

هوِّن عليك ففي الطريق سُدودُ

دَعْ عنك أفكار الضلالِ فإنما

يدعو بهنَّ مكابرٌ وجَحودُ

دَعْ عنك أيام الشِّقاقِ وما جنى

فيها علينا حاقدٌ وحَسُودُ

وانظر إلينا حول رايتنا التي

فيها رضاً ومحبَّةٌ وسعودُ

مَنْ لم يَعِشْ بالحُبِّ عاش بغيره

ولكلِّ مُؤْذٍ في الحياة مُبيدُ

كلُّ المصائب تنتهي آثارُها

لمَّا يُطاع الخالقُ المعبودُ

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5886 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد