بيني وبينَكِ طَلْحُنا المنضودُ |
والتِّين والزيتونُ والعنقودُ |
بيني وبينَكِ - يا عَراءُ - طفولةٌ |
يحلو بها لقصائدي التَّغريدُ |
وصدى الأذان يهزُّ أعماق المدى |
وتكاد منه الراسيات تَمِيْدُ |
جدّي يردِّده فتنتعش الرُّبى |
ويثيرها التثويب والتَّرديدُ |
حتى كأن خريرَ ماءِ غديرِها |
وحفيفَها، التسبيحُ والتحميدُ |
بيني وبينَكِ لَوْزَةٌ من شِعبنا |
تاريخنا - كجذورها - ممدودُ |
ما زلتُ أذكر لَوْزَها يوم الجنى |
لِعِصِيِّنا فوق الغصون هَبِيدُ |
ما زلتُ أذكر سِدرةً، في جذعها |
صُوَرٌ بها الماضي الحبيب يعودُ |
أوراقُها الخضراء شاهدةٌ على |
قممٍ بناها بالإباء جدودُ |
هي سِدرةٌ كتب النَّدى لغصونها |
عهداً، فبابُ ذُبولها موصودُ |
سيروا إليها - إنْ أردتم - إنَّها |
في قريتي رَمْزٌ هناك شهيدُ |
سيروا إليها واسألوا عن مولدي |
فأنا أمام غصونها مولودُ |
بيني وبينَكِ شوقنا لسحابةٍ |
فيها وميضٌ ضاحك ورعودُ |
تسقي بوادِرُها جفافَ ربوعنا |
ويطيب فيها حوضنا المورودُ |
وتُعيد للأرض الحبيبة زَهْوَها |
ويصير مُبْتَهِجَ النَّضارةِ عُودُ |
بيني وبين الباحة الظَّبْيُ الذي |
في مقلتيه ترقُّبٌ وشرودُ |
يجري فأَتْبَعُه، ويسبق ظلُّه |
ظلِّي، ويسقط حاجزٌ وحدودُ |
وتكاد تمنحنا الجبالُ ظهورَها |
متناً يطيب لنا عليه صعودُ |
بيني وبين الباحة الحُلم الذي |
يُدني إليَّ طفولتي ويُعيدُ |
فيها تجاورت البيوتُ وعانقتْ |
بعضاً، وفيها صالحٌ وسعيدُ |
فيها المحبة والأخوَّة، كلما |
نقصت تدابير الحياة، تَزيدُ |
فيها يعيش الجَدُّ عيشةَ سيِّد |
وأبٌ وإبن حولَه وحفيدُ |
وتعيش فيها بالمحبة جَدَّةٌ |
كلٌ يصون مقامها ويَذُودُ |
بيني وبين الباحة الذكرى التي |
كالفجر، يبخل غيرُه ويَجودُ |
تمضي الليالي ما تشاء، ولم يَزَلْ |
للفجر وَجْهٌ بالصفاءِ جديدُ |
ماذا سأذكر يا ربوعَ طفولتي |
وأنا إليك - كما رحلتُ - أعودُ؟ |
أطوي من (الخمسينَ) ثوباً، كلُّه |
حُبٌّ وعزمٌ ثابتٌ وصمودُ |
يتناثَرُ الرَّيحان من أطرافِه |
وعليه غُصْنُ الذكرياتِ يَميدُ |
في مَوْزِ (ذي عَيْنٍ) عليه أدِلَّةٌ |
(وبِشِلْخَةِ الكادي) شَذاه فَريدُ |
نَسَجَتْهُ أُمِّي يا ربوعَ طفولتي |
أُمٌّ، بها ثَغْرُ الوفاء يَشيدُ |
نَسَجَتْهُ من أحلامها وشبابها |
وعلى المُهَيْمنِ أجرُها الموعودُ |
بيني وبين الباحة الحُبُّ الذي |
أنتم ونحنُ على مَدَاهُ شهودُ |
حُبٌّ ترعرع في الوفاءِ، وإنِّما |
رُفِعَتْ له بيد الوفاءِ بُنودُ |
شهدتْ به قمم الجبال وربما |
مدح الوفاءَ الصَّخْرُ والجُلْمودُ |
وكذلك الحُبُّ الكبير إذا سما |
يجتازُ آفاقَ المدى ويَرُودُ |
بيني وبين الباحة الأملُ الذي |
نادى إليه (مُحَمَّدٌ) محمودُ |
نادى بتوحيد الإله فمرحباً |
إنَّ القلوب، شفاؤها التوحيدُ |
هي دعوة الرُّسْلِ الكرام بها سَقَوا |
نخل اليقين، فَطَلْعُهنَّ نَضيدُ |
هي دعوة التوحيد طاب مُقَامُنا |
فيها، وعَزَّ لواؤها المعقودُ |
للراية الخضراء فيها رَوْنَقٌ |
من حقِّه التفخيمُ والتَّمجيدُ |
إني أقول لمن يساومها على |
أمجادها، وعن الطريق يَحيدُ |
ولمن يدورُ على جوانب صَرْحها |
دورانَ ذِئْبٍ غادرٍ ويَكيدُ |
عجباً لمن ألقى المبادئ خلفه |
فلسانُه كخيالِه مكدودُ |
أيضيق بالقرآن صَدْرُ موحِّد |
ويسرُّه الإنجيل والتلمودُ؟! |
أيضيق بالإرشاد فينا عاقلٌ |
ويسرُّه التنصير والتهويدُ؟! |
إنَّ القلوب يَفُوح منها ريحها |
فبأيِّ رائحة يَفُوح صَديدُ؟ |
مَنْ كان (لامَرْتينُ) قدوةَ فنِّه |
فلديَّ (حَسَّانُ الهدى) و(لَبيْدُ) |
ولديَّ نَبْعُ الشعر في أرض الهدى |
نَبْعٌ تباركَ حوضه المورودُ |
وإذا وجدتُ الحكمةَ اقتطفتْ يدي |
والعقلُ مني ثابتٌ ورشيدُ |
عندي كنوزٌ في الكتاب وسنَّتي |
فعلام أهجرها، وكيف أحيدُ؟! |
في هذه الأرض الأصالةُ سِدْرَةٌ |
في جذعها شرف المقام تَليدُ |
ترتدُّ عنها السافياتُ حسيرةً |
ويصدُّ عنها الذئب وهو طَريدُ |
لا تحسبوا الفكر الدَّخيلَ يغرُّها |
أنَّى يغرُّ الحُرَّةَ التعبيدُ |
كتب الشموخُ حروفَه الأولى على |
أهدابها، وبها تغنَّى الجودُ |
وروى الغمامُ حكاية الخِصْب التي |
تروى، لها، واستَشْرفَتْها البِيدُ |
منها (الطُّفيلُ) وسوطُه وضياؤه |
(وأبو هريرةَ) ما عليه مَزيدُ |
والغامديُّ أبو البطولة جُنْدُبٌ |
أَحَدُ الجنادب، فارسٌ مَعْدُودُ |
لله دَرُّكَ يا ابن كعبٍ، حينما |
لَعِقَ الترابَ الساحرُ العِرْبيدُ |
للصقر عِزٌّ في الطيور لأنها |
مهما تطير تُصاد، وهو يَصيدُ |
يا مَنْ يساومنا على أوطاننا |
هوِّن عليك ففي الطريق سُدودُ |
دَعْ عنك أفكار الضلالِ فإنما |
يدعو بهنَّ مكابرٌ وجَحودُ |
دَعْ عنك أيام الشِّقاقِ وما جنى |
فيها علينا حاقدٌ وحَسُودُ |
وانظر إلينا حول رايتنا التي |
فيها رضاً ومحبَّةٌ وسعودُ |
مَنْ لم يَعِشْ بالحُبِّ عاش بغيره |
ولكلِّ مُؤْذٍ في الحياة مُبيدُ |
كلُّ المصائب تنتهي آثارُها |
لمَّا يُطاع الخالقُ المعبودُ |
|
|