غالباً ما أتذكّرها فتنهض في حسِّي صفاتها وحكمتها, فأذهب للاعتقاد بأنّ امرأة حكيمة مثلها لم تلد البشرية..,
وأعود حين تفكِّر في سعة قدرة الله، وعظمته تعالى في خلقه، إلى أنّ الدنيا لو كانت قد خلت من الحكيمات أمثالها, ما وجد الصادقون الصالحون في الحياة، وهم ثمار محاضن نساء نشَّأنهم على وعي، ودراية، وعلى سلوك حميد، وتقوى، لا يُفصل فيهم بين (سلوك) ما في داخل صدروهم، وما بين خطوات عبورهم، إلاّ أيد تمتد لتعطي أو تأخذ، لكنها عن بيِّنة بما تمليه دواخلهم النقية التقية، وكذلك تفعل أقدام تسير وتنقل عن البيِّنة ذاتها.., والبيِّنة في سلوك الأيدي والأقدام في الإنسان هي حصاد تنشئة متى ما عملت أولئك الحكيمات على قوامتها وسلامتها فيمن يربِّين بربطها بتقوى الله وخشيته وعدم الخروج عنها إلاّ عفو سهو أو جهل..,
كانت مهمة الحكيمات يسيرة.., فيما هي الآن عسيرة.., وفي ذلك تُجاهَد النفوس.., وجهاد النفوس في هذا الوقت يتطلّب البيِّنة من علم نافع.. ووعي شديد بحدود ما هو مقبول وما هو مرفوض في محكات ما يرضي الله تعالى وما لا يرضيه.., ولقد اندلقت دلاء الآبار كلها واختلطت مياهها ويركض الناس يذودون للسقيا كل ليرتوي..,
وهذا وقت الحكيمات.., وقت من تقف على السقيا وتكون عليها قوية أمينة.., حتى إذا ما انتشر السقاة نجت، وأنجت بحكمتها من الطمي والشوائب وما علق بالدلاء أو اختلط بالمياه.., فلا تحيك في الصدور غلبة الإثم ولا تنطفئ عن الأقدام جذوة النور..,
تذكّرتها والنساء في معمعمة.., إلى أيّ الضفتين من السقيا يتجهن..,!!
جهادهن كبير والذّود منهن عسير.., لكن من الحكمة ألاّ تأكل نار الدنيا خضرة الجنان..,