في صباح كل يوم كان يصحو سائق الباص بنشاط وهمة لطلب الرزق فتراه ينتقل من محطة إلى محطة دون كلل أو ملل وأضحى كالأب للركاب جميعا حيث اعتاد على ملاطفتهم ورواية القصص والنكت لهم حتى أن أغلب سكان المدينة كان يعرف هذا السائق المتميز.. وفي يوم ممطر عاصف ركب مع السائق شاب في العشرين من عمره مفتول العضلات وقد رسمت بقايا مشاجرات قديمة ملامح شر على وجهه وقد بث وجود هذا الشاب الرعب في قلب الركاب ومع هذا فلم يتردد السائق من طلب قيمة التذكرة من الشاب والذي أجاب بقوله: مثلي لا يدفع قيمة التذكرة! نزل الراكب في إحدى المحطات وقد تغاضى السائق عنه رغبة في عدم إثارة المشاكل والمفاجأة أن هذا الشاب ركب معه في الغد!!
وتكرر طلب التذكرة من السائق وتكرر الرد من الراكب: مثلي لا يدفع قيمة التذكرة!
وأصبح الأمر يتكرر شبه يومي وأصاب السائق همًّا وغمًّا شديدين بل وفارق الكرى جفنيه من الإحراج الشديد الذي يسببه له هذا الراكب وبعد أيام قرر أن يواجه هذا الشاب وقد استعد له بعصا غليظة أخفاه بين ملابسه يستعين بها عند منازلته! ركب الشاب كالعادة أوقف السائق الباص وتوجه لهذا الشاب مضمرا الشر متأهبا للقتال وصرخ في وجه الشاب أين تذكرتك؟
فرد عليه الشاب برده المعهود: أمثالي لا يدفع تذاكر!
فامسك به السائق من رقبته وقد تأهب لإخراج العصا ليضربه وسأله: ولماذا لا يدفع أمثالك قيمة التذكرة؟
فرد عليه بصوت منكسر ونفس متقطع لأني مصاب بالسرطان وقد أعفاني محافظ البلدية من قيمة تذاكر الباصات!!
فاسقط في السائق وعاد لمقعده حزينا نادما بعد تعلم درس عظيم لن ينساه طول عمره!!
كم من مشكلة نسجها خيالنا دون أن يكون لها وجود والعاقل هو من يتحقق من وجود المشكلة قبل أن يبذل الجهود ويضيع الأوقات في حلها.