علم المقاصد من العلوم العليّة، بل جعله شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) خاصة الفقه في الدين؛ لأنه ما كل يصلح له. ويقول الدهلوي (إنه علم دقيق لا يخوض فيه إلا من لطف ذهنه واستقام فهمه)، ويقول ابن عاشور: (معرفة مقاصد الشريعة نوع من أنواع العلم، وحق العالم فهم المقصد). ومقاصد الشريعة هي أصولها الراسخة الأساس الثابتة الأركان، وهي ما سَنّه الله من الأحكام وأنزله على نبي من الأنبياء. ولمقاصد الشريعة فوائد جمة، منها أنها دلالة على الكمال في التشريع والأحكام، وأنها تفيد معرفة بمراتب المصالح والمفاسد ودرجات الأعمال في الشرع والواقع، كما أنها تفيد في نفذية الأحكام كقياس فرع على أصل عرفت علته، كما تزيد النفس طمأنينة بالشريعة وأحكامها وعللها. وقد قامت الأدلة القاطعة على كون الشريعة ذات مقاصد بنيت عليها، وجماع تلك الأدلة الخبر العام والخاص والنظر في الاستقراء والدلالة العقلية. وتتفاوت مراتب تلك المقاصد لتباين آثارها، فهناك مرتبة الضروريات ومرتبة الحاجيات ومرتبة التحسينات. وتتوزع المقاصد إلى قسمين: عامة شرعت لمصالح العباد، وخاصة أصلية وتابعة مكملة. وللمقاصد خواص تعرف بها وهي العموم والاطراد، تشمل جميع أنواع التكليف والمكلفين والأحوال، والثبوت من غير زوال، وكونها حاكمة غير محكوم عليها لأنها كالروح للأعمال، ولما كانت حاكمة للإنسان جاءت مراعية لفطرته وحاملة على التوسط. وإثبات كون الشريعة مبنية على مقاصد حديث (لا ضرر ولا ضرار)، ففيه نفي الضرر والإضرار في أحكام الشريعة، كذلك مسألة تحريم الخمر لإفسادها للعقل كقوله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام) يقول ابن القيم (رحمه الله): القرآن والسنة مملوءان بتعليل الأحكام بالحكم والمصالح وتعليل الخلق بهما والتنبيه على وجوه الحكم التي لأجلها شرعت تلك الأحكام ولأجلها خلقت تلك الأعيان، ولو كان هذا القرآن والسنة في نحو مائة موضع أو مائتين لسقناها، ولكنه يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة، ونذكر عدداً من الكتب التي دونت في هذا الشأن لعل الله أن ينفع بها لمن أراد المزيد في العلم والمعرفة: كتاب مجموع الفتاوى لابن تيمية، مقاصد الشريعة لابن عاشور، البرهان لأبي المعالي الجويني، المستصفى وشفاء العليل لأبي حامد الغزالي، الموافقات للإمام الشاطبي وهو مخترع علم المقاصد، شفاء العليل ومفتاح داء السعادة لابن القيم الجوزية، إضافة إلى شرح الاصفهانية وجامع الرسائل لابن القيم أيضاً، وحجة الله البالغة للدهلوي. وبالله التوفيق.
* مستشار شرعي وباحث إعلامي
عضو الجمعية الفقهية السعودية