في ظل تنامي النظرة السوداوية للحياة التي وصلت لدى البعض إلى حد كبير لا بد لنا من إشاعة التفاؤل، حيث أصبح ذلك ضرورة تتأكد يوما بعد يوم خصوصا أن من بيننا من لا يرى في الأفق بارقة أمل لصلاح حاله وحال الناس، فتراه في كل مجلس يجعل الصورة أمام جلسائه قاتمة مليئة بالويل والثبور والهلاك ربما، ومن بيننا أيضاً من هو قلق من المستقبل سواء العام للأمة أو المستقبل الخاص به وبعائلته إلى درجة وصلت به إلى القنوط - والعياذ بالله -!!
نعم هؤلاء موجودون بيننا ولهم أثرهم غير المحدود وغير المحمود والفاعل مع الأسف الشديد!!، فحالهم عجيبة لأنه مهما بلغ الحال بأولئك السوداويين فلن يصلوا بأي حال من الأحوال ما وصلت إليه حال إمام المتفائلين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد ابتلي وضيق عليه لكن اليأس لم يدب إلى قلبه بل كان مبشرا بالتفاؤل داعيا إليه ففي الحديث الصحيح عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة) متفق عليه. والطيرة هي التشاؤم. ومن تتبع سيرته - صلى الله عليه وسلم - وجد العبر والدروس والصور الرائعة لتفاؤله عليه الصلاة والسلام ومنها ما حصل له ولصاحبه أبي بكر - رضي الله عنه - وهما في طريق الهجرة، وقد طاردهما سراقة، فيقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - مخاطبا الصديق - رضي الله عنه - وكله ثقة بالله: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا..}وفي الغار تتجلى قمة التفاؤل والثقة بالله فالكفار على باب الغار لو نظروا إلى أسفل لرأوا النبي - صلى الله عليه وسلم - والصديق - رضي الله عنه - لكن أعمى الله أبصارهم. فعن أنس عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: (كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغار، فرفعت رأسي، فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا، قال: اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما) متفق عليه. والمواقف التي تجلت فيها صور التفاؤل تفاؤله - صلى الله عليه وسلم - بالنصر في غزوة بدر، وإخباره بمصرع رؤوس الكفر وصناديد قريش. ولا يغيب عنا تفاؤله - صلى الله عليه وسلم - عند حفر الخندق حول المدينة، وذكره مدائن كسرى وقيصر والحبشة، والتبشير بفتحها وسيادة المسلمين عليها.
ولي هنا وقفة لو دققنا في تلك المواقف لوجدنا أنه - صلى الله عليه وسلم - تفاءل بعد أن فعل الأسباب، فخذ على سبيل المثال في طريقه إلى الهجرة خالف الاتجاه المعتاد للسفر إلى المدينة وفي الغار فعل - صلى الله عليه وسلم - الاختباء عن أنظار الكفار، وكذلك أمره أبا بكر - رضي الله عنه - بالسكوت بقوله: (اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما) وكذلك لم يتفاءل بفتح مدائن كسرى وقيصر والحبشة، وسيادة المسلمين عليها دون أن يحفر الخندق!!.
لذا يجب أن نكون واقعيين في تفاؤلنا وذلك بعد أن نفعل الأسباب فإن كان مرضا سعينا لعلاجه وإن كان ضيق ذات اليد بذلنا سبل الحلال لسعتها، إن كان إنكارا لمنكر سعينا وفق الأطر الشرعية لإنكاره وهكذا فنحن لا نريد من يتفاءل دون عمل ولا من يتشاءم مع العمل!!
amaljardan@gmail.com