برزت إلى السطح مشكلة جديدة تمثلت في عدم قدرة سفن الشحن التجارية من الرسو في ميناء جدة، وأنها تضطر إلى الانتظار فترات طويلة. وتبع ذلك خبر تكدس البضائع المفسوحة في نفس الميناء ورفض التجار إخراجها. وانتقلت المشكلة إلى ميناء الدمام.
ولم نر أو نسمع أي تحرك من المؤسسة العامة للموانئ في إيجاد حل سريع لهذه المشكلة. ولا ندري لماذا وقع ذلك وموانئ المملكة تستقبل السفن دائماً ولم يحدث من قبل مشكلة كهذه.
لقد كثرت التعليلات حول الأسباب، ومن أبرزها رغبة التجار في الحفاظ على الأسعار المرتفعة في الأسواق لتحقيق المزيد من المكاسب عبر المعروض القليل للبضائع وتكديسها في المخازن والموانئ. ويظهر أن انخفاض الأسعار العالمي لم يعجبهم فهم تعودوا على تحقيق العوائد المرتفعة. وكنت أتمنى من معالي وزير التجارة أن يذكر مقدار خسارة المواطن وما حمله من ضغوط كبيرة جداً ويحدد مقدار خسارته المالية مثل ما ذكر حول خسارة التجارة 100 مليون في انخفاض الأسعار في الأسواق العالمية. ولم نحاسب التجار على استغلالهم للظروف لتحميل المواطن أعباء مالية. والملاحظ لأسعار العملات يجد أن هناك انخفاضاً مستمراً للعملات العالمية أمام الدولار الأمريكي الذي هو أساس مشكلة ارتفاع الأسعار، ولم نر تأثيراً على السلع، بل حافظ التجار على الأسعار السابقة.
لقد مارس التجار التأثير على بعضهم فيما يتعلق بسلعة الحديد فتوجه المقاولون إلى الاستيراد من تركيا وغيرها فوقعت المشكلة للمصانع بحيث سجلت فوائد يتجاوز 2 مليون طن في دبي ومثلها في السعودية مما دفع سابك إلى خفض سعر الحديد إلى مستويات قياسية بينما البقية ما زالوا يأملون في بقاء الوضع على ما هو عليه. وما لبثت هذه المصانع أن تطلب السماح لها بالتصدير حتى تصرف الفائض لديها لإبقاء السعر المرتفع وعدم تراكم الفائض من المنتج. وقد انساق هذا الوضع على الأسمنت والنحاس.
والغريب في الأمر أن أسعار المواد الغذائية والعقار ما زالت كما هي لم تهبط ولم تمارس وزارة التجارة أي ضغوط على التجار لخفض الأسعار والأسرة السعودية تنفق 75% من ميزانيتها على الغذاء والسكن شهرياً كحد أدنى.
لقد كسب التجار جولاتهم السابقة فحصلوا على الدعم وتحكموا في الأسعار ويبقونها تستمر حتى بعد تغير الأحوال. ولا يتمنعون عن استخدام كافة الوسائل لتحقيق أهدافهم، بدءاً بالتخزين للمواد الغذائية مثل الأرز حتى بإيقاف البضائع على أرصفة الموانئ ولا نجد من يقف أمامهم.
لقد رأينا ما حدث لأم الرأسمالية عندما ترك للتجار الأمور كيف انهار أكبر اقتصاد في العالم وسحب معه دول العالم أجمع ليخسر الاقتصاد الأمريكي والعالم 60 تريليون دولار. إن الطمع وحب تحقيق الأرباح المتزايدة صفة التاجر بشكل عام وآخر ما ينظر إليه دوره الاجتماعي والقناعة والإحساس بالمسؤولية. لذا وجب على الدول أن تمارس سلطتها وتراقب وتحاسب وتنافس أيضاً وتطور كافة الأساليب العلمية والإدارية لبناء اقتصاد سليم وقيام تجارة مقبولة والحفاظ على حقوق الدولة والمواطن من عدم الاستغلال. ومن الأدوار الأخرى للدولة أيضاً خلق الفرص لتوطين الصناعة بأنواعها والسيطرة على العرض والطلب حتى يكون الجميع رابحاً. ولا ننسى أيضاً الرقابة على المصارف فهي شريان الحياة وهي مستودع الأموال لجميع فئات المجتمع من التاجر إلى الفقير .