يمر العالم هذه الأيام بزوبعة مالية عاتية إثر انهيار كثير من بيوت المال العالمية، وخاصة الأمريكية منها وتترنح كثير من أسوق الأسهم في دول العالم وتقفل على انخفاض مريع جعل الناس في هلع مما يحدث ومما سيحدث، وفقد العديد من الناس في بقاع الأرض مدخراتهم وتراجعت قوائم أثرياء العالم وجفت بعض ينابيع الثروة عن ذوي الدخول المرتفعة، ولا شك أن نسبة البطالة في العالم وفي الدول الصناعية على وجه الخصوص سترتفع، وفي أمريكا بدأ الكثير منهم يبحثون عمن بقي على قيد الحياة ممن عايشوا عصر الركود الاقتصادي في أواخر عشرينات القرن العشرين ليقارنوا ما هو حاصل الآن مع ما حصل وقت ذاك، وفي المملكة تحدث كثير من المسؤولين عن وضعنا المالي المتميز وعدم تورط بنوكنا بسندات عالمية عالية الخطورة وبالذات سندات الرهن العقاري، ولكن الناس غير مقتنعين وقد أصابنا جزء من المشكلة في سوق الأسهم حيث انخفض إلى مستوى متدن، والأمل كبير في أن ينهض من جديد ويحقق مكاسب تفوق خسائره وبالذات لذوي الأسهم القليلة التي تؤثر سلباً على عدد كبير من سكان المملكة رجالاً ونساء.
لكنني أود أن أقول إن هذه الأزمة العالمية هي هزة اقتصادية ليست كما يقول البعض على أنها مؤشر عن قرب انهيار مالي عالمي، البعض فرح بما حصل واعتبره انتقاماً من الله من الدول الرأسمالية وبخاصة أمريكا وربط بين الأحداث السياسية والنواحي الاقتصادية بل إنهم قد استبشروا بقرب نهاية أمريكا، ولو كانوا يعرفون العالم وخاصة في نظامه الرأسمالي وتداخله وتأثره ببعض حتى لا يكاد يكون جسدا واحدا لو عرفوا ذلك لما فرحوا ولدعوا الله أن يجنب الجميع أضرار ما يحصل؛ لأنه لن يكون محصورا في مكان واحد ولن يكون بلد بمنأى عما يحدث، ونحن نعلم أن المشكلة بدأت في أمريكا بانهيار مريل لينش ووليمان بروذرز وتوالت الانهيارات في أمريكا وتبعتها أوروبا وبقية دول العالم تماما كلعبة الدومينو، الأغرب من ذلك المتعاطفون مع النظام الاشتراكي أو ما يعرف بأيتام الشيوعية نهضوا من رقادهم فرحين وكان لديهم الحل السحري وبيدهم عصا موسى - عليه السلام - فبدأوا يروجون بأن الشيوعية هي الحل وأنها قادمة لإنقاذ البشرية من شرور الرأسمالية. حاولوا استغلال الوضع وتبعهم بعض كتاب العالم العربي وإن لم يكونوا يحبذوا الشيوعية ولكن كما قيل (ليس حبا لعلي ولكن كرها لمعاوية) وخلطوا بين هذا وذاك لكن المعروف أن النظام الاشتراكي خلال سبعة عقود أو أكثر لم يقدم شيئاً يحسب له في تفوق البشرية اقتصادياً واقتصر دوره على إفقار الأغنياء وإبقاء الفقراء فقراء أي عدالة بالفقر وقتل الطموح والإبداع لدى الإنسان. ومن لا يصدق فليذهب إلى كوبا والجزء الشرقي من ألمانيا والتي كانت تعرف بألمانيا الشرقية ويقارن بينها وبين جيرانها، بل لماذا نذهب بعيداً الدول العربية التي تبنت الفكر والنظام الاقتصادي الاشتراكي تعاني من تدن في كافة المستويات وأهمها بناء المواطن نفسه الذي تحول إلى مجرد آلة علاها الصدأ وتوقفت منذ زمن بعيد عن العمل.
والمملكة العربية السعودية -وفقها الله- بحكمة القيادة فوقفت موقفاً معتدلاً فلم تتبع النظام الرأسمالي المرابي الجشع والبشع في بعض أشكاله ولا النظام الاشتراكي الكالح الذي يلغي إيداع الإنسان ويقضي على روح المنافسة لديه وكانت النتيجة بناء اقتصادي يشجع على الاستثمار وإنشاء قاعدة اقتصادية قوية قوامها المنافسة الحرة والإنتاج المتطور مستمدة منهجها من شرع الله الذي يحرم الربا وأكل أموال الناس بالباطل ويحث على البيع الصحيح وتبادل المصالح بين الناس، ومن يرى التطور الهائل في المملكة على كافة الأصعدة والنهضة الاقتصادية والتعليمية والصحية والعمرانية يدرك حكمة قادة هذه البلاد -حفظهم الله- وعدم انسياقهم وراء الشعارات البراقة للنظام الاشتراكي أو تبنيهم النظام الاقتصادي الذي يذهب إلى حد سحق المستثمرين الصغار في سبيل بناء مؤسسات عملاقة لا تترك مجالاً لأحد للمنافسة.
أما من يبشرنا بعودة النظام الاشتراكي أو الشيوعي نقول لهم عودوا إلى نومكم أو بالأحرى إلى قبوركم فقد جرب نظامكم التعيس في كثير من دول العالم ولم يجلب لها سوى الفقر والدمار والتخلف، ما يحصل الآن هو إعادة تصحيح وترتيب وأعتقد أنه في خلال سنوات سيعود إلى حالة أفضل من السابق فالعقول الاقتصادية قادرة بإذن الله على إيجاد بدائل ووضع سياسات للحد من المشكلة وتفادي حصول مثلها مستقبلاً، وهذه سنة الله في خلقه أن يعدل الخلل فيمحق الربا الذي تجاوز الحد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} الآية، هذه الزوبعة أو العاصفة هي تصحيح لمسار الحرف عن الطريق السليم وليعود إلى طريق الحق وحري بها أن تكلل بالنجاح.
نعرف أن غابات العالم تحترق ويبذل رجال الإطفاء والدفاع المدني جهوداً كبيرة لإخماد حريق هذه الغابات ولكن حكمة الله هي أن تكون هذه الحرائق وسيلة لإزالة النباتات الضعيفة والهزيلة لينمو مكانها أشجار أشد صلابة وقوة وأحسن منظراً وهذه ظاهرة يعرفها من يعيش في مناطق قريبة من هذه الغابات ويعرف أن هذه الحرائق تتم في دورات زمنية متعاقبة تماما مثل مواسم الأمطار، وفي دول مثل إندونيسيا وغيرها يتعمدون إحراق الأشجار والنباتات لهذا الغرض.
فلا غرابة أن يصحح النظام الاقتصادي العالمي نفسه بمثل هذه الهزات حتى ينفض عن نفسه ما يعلق بها من أدران قد تكون سبباً في مثل هذه الهزات. لذا أقول بأن النظام الرأسمالي باق لأنه الأقوى والأولى بأن يستمر ويعتمد على مبادئ ونظريات اقتصادية ثبت بالتجربة جدواها وعلى النقيض من ذلك البديل الاشتراكي نظام هزيل لا يقوى على المنافسة وإن كان ينطلق من مبادئ في ظاهرها العدالة والمساواة بين الناس لكن هذه المساواة ساوت بين الناس بالفقر والحاجة وقتل الطموح والإبداع الإنساني الخلاق. لا تبشرونا بعودة الاشتراكية لا ردها الله. إذا كانت الرأسمالية رمضاء فإن الاشتراكية جهنم ولن نستعير بالرمضاء من النار.