الرياض - د. حسن الشقطي
أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع عند مستوى 6160.8 نقطة خاسراً نحو 702 نقطة أو ما يمثل 10%، وذلك في ظل الهبوط القوي والمتواصل الذي أفقده معظم أرباح الأسبوع الماضي .. ورغم صدور العديد من التطمينات الرسمية بشأن عدم تأثر الاقتصاد الوطني بالأزمة المالية العالمية، فقد تمسك المؤشر بقاعه الجديد ما بين 6100 إلى 6300 نقطة، وهو الذي يمثل الأثر السلبي الكبير الذي رسخته الأزمة العالمية .. فالأزمة قد تنتهي في أي يوم من الأيام إلاّ أنّ خروج المؤشر من المستوى الحالي قد يكون غير مرتبط بالأزمة .. وبوجه عام فقد أصبح يسيطر على السوق الآن العديد من المخاوف المرتبطة بالأزمة العالمية التي باتت تزداد تفاقماً .. فكل يوم تسجل أسعار النفط تراجعاً جديداً، ومن ثم تزداد التكهنات حول تأثيرات هذا التراجع على أسعار منتجات الطاقة، ومن ثم تأثيرها على نتائج أعمال الشركات البتروكيماوية في المملكة .. ومن جانب آخر تزداد حدّة المخاوف من حدوث الركود الاقتصادي العالمي، وبالتالي التكهن بحدوث بعض الركود في عدد من الأنشطة الاقتصادية المحلية .. بل سرت مخاوف جديدة من حدوث إفلاسات لبعض الشركات التي ارتبطت باستثمارات ضخمة بالسوق العالمي لم تفصح عنها حتى الآن.
ضعف السوق نتيجة تراجع أسعار (النفط)
تأثير التغير في أسعار النفط قد يكون أشد وطئاً من تأثير الأزمة المالية العالمية نفسها على سوق الأسهم السعودي .. لأنّ أسعار النفط تعتبر الدينامو المحرك ليس لشركات السوق فقط، ولكن للاقتصاد الوطني إلى حد كبير .. وبالتالي فإنّ الانتقال من مرحلة الـ140 دولار للبرميل إلى مرحلة الـ70 دولاراً خلال فترة لم تتجاوز ثلاثة أشهر يعتبر، أمراً غاية في الاضطراب. وبالتالي فإنه قد يتسبب في خلل في كافة الخطط (حتى رغم ما يقال عن أنها متحفظة) التي تم صياغتها على أساس مستويات أسعار في حدود 100 دولار تقريباً .. إلا بعض التكهنات بدأت تثير من جديد أن الوضع قد يصبح أكثر سوءاً إذا كسرت أسعار النفط مستوى الـ50 دولاراً في ظل تراجع معدلات الاستهلاك وبالتالي تقلص الطلب على الطاقة أو في ضوء الكساد الاقتصادي المتوقع. وبالنسبة للاقتصاد الوطني، فإنّ أسعار النفط ليست مجرد سلعة .. ولذلك، فإن دخول الاقتصاد العالمي في الركود المتوقع قد يحتم على الجهات الرسمية اتخاذ خطوات أكثر صرامة تجاه تعزيز السوق المحلي لتعويض الفاقد نتيجة تراجع أسعار النفط وركود بعض الأنشطة.
تراجع أسعار المنتجات في (قطاع البتروكيماويات)
من أكثر التداعيات السلبية للأزمة على سوق الأسهم الآن، هو التراجع الحاد في أسعار المنتجات البتروكيماوية خلال الأسبوع الأخير، حيث تراجعت أسعار المنتجات الأساسية (الإيثلين والبروبلين والبنزين والميثانول) في المتوسط ما بين 10 إلى 20%، في حين تراجعت أسعار (البوليمرز) في المتوسط بنحو 3 إلى 10%، كما تراجعت أسعار الأسمدة الكيماوية في المتوسط بمعدل كبير وصل إلى حوالي 30%. وبالطبع فإنّ هذا التراجع هو ترجمة للتراجع في أسعار النفط، بشكل أصبح يثير مخاوف كبيرة حول أداء قطاع البتروكيماويات في السوق خلال الربع الأخير من هذا العام.
(سابك) تعزز مخاوف السوق وتخسر 22.5%
نتائج سابك للربع الثالث أثرت على السوق من ناحيتين، بداية لأن السوق دائماً يستجيب بالهبوط بعد إعلان نتائج سابك مهما كان حالها. ولكن من جانب آخر، فإن مضمون نتائج سابك عن الربع الثالث لم يكن إيجابياً أو حتى استثمارياً أو مدعماً لأوضاع سوق الأسهم، لأن إعلانها تسبب في مخاوف كبيرة من نتائج الربع الرابع وطبعاً ما يليها، بل تعدى الأمر إلى مخاوف ترتبط بالقطاع البتروكيماوي ككل. وفي اعتقادي أنّ الشركة طالما أفصحت بهذا الشكل عن توقعاتها للربع الرابع، فإنّ هناك احتمالات بحدوث ما هو أسوأ تأثراً بتراجع أسعار النفط. وعلى ما يبدو أن الشركة كانت قد وضعت خططاً مستقبلية عديدة (باستثمارات خارجية) حسب توقعات تفاؤلية ترتبط بأوضاع الطلب على النفط، ومستويات أسعاره، تلك الأوضاع لم تعد موجودة الآن.
مخاوف (الركود العالمي) وأداء الشركات
لقد صرح رئيس الحكومة البريطانية بأنّ اقتصاد بلاده يبدو أنه دخل فعلياً في مرحلة ركود، وتلته تصريحات من باكستان بأنها على وشك الإفلاس .. كما سجل الدولار أعلى مستوى له أمام اليورو خلال عامين، ثم سيطرت يوم الأربعاء من جديد التراجعات على البورصات العالمية بقيادة نيكي الذي فقد 8.6% .. إن كافة المعطيات باتت تسير في تعزيز الروح التشاؤمية والخوف من حدوث الركود في الخارج، ومن ثم استيراده داخلياً .. ومعنى الركود أي التراجع في الأداء العام للشركات سواء بانخفاض الأرباح أو تحقيق خسائر، بشكل أصبح يفقد السوق أي محفزات في المستقبل القريب. إن المحفز الوحيد بالسوق الآن هو الفجوات في مستويات أسعار الشركات، ولكن لا يستطيع أحد أن يقرر أن هذا الانخفاض هو الأخير.
(هيئة السوق) تقر بأنّها لن تتدخل في السوق
أعلنت هيئة السوق المالية بشكل مفاجئ عن أنها لن تتدخل في سوق الأسهم .. وتزامن هذا الإعلان عن نتائج شركة سابك .. فتراجع مؤشر السوق بنسبة وصلت إلى 9% خلال يومين. وفي اعتقادي أن هذا الإعلان لم يكن موفقاً، بل جاء بلا داعٍ وفي وقت غير مناسب بالمرة .. وربما كان أفضل للسوق أن لا تعلن الهيئة عن شيء .. فالأزمة العالمية لم تنته ويومياً هناك مستجدات معظمها سلبي .. ولكن إعلان الهيئة قد أصاب الكثيرون بالإحباط الشديد من إمكانية تدخل الهيئة لحماية السوق.
نتائج (البنوك) ومخاوف المستقبل
تُعد البنوك أحد أبرز مسببات الأزمة لسوق الأسهم، لأنه تحيط بها شكوك كبيرة حول حجم خسائرها الحقيقية في هذه الأزمة .. المهم لقد فقد قطاع المصارف هذا الأسبوع حوالي 8.5%، إلا أن هذه الخسارة قد تتزايد إذا لم يتم تحريك الطلب في السوق.
افتقاد السوق للقيادة يتطلّب التفكير في (صانع للتوازن)
الآن البنوك في وضع محرج بسبب الأزمة فهي تحتاج إلى من يساندها في تدبير السيولة .. كما أن قطاع البتروكيماويات قد يصاب بالركود أو بعض الجمود في ظل تراجع أسعار النفط. أما قطاع الاتصالات، فهو قطاع لا يستطيع قيادة المؤشر في الوقت الحالي .. وبالتالي فإن السوق أصبح يفتقد للقيادة أو صناعة السوق في فترة يمر فيها السوق العالمي باضطرابات شديدة، بشكل يجعله عرضة للتأثر بأي مستجدات سواء داخلية أو خارجية .. أي أن السوق بلا قاع الآن. لذلك، فإن الوضع الحالي يحتم التفكير في خلق صانع توازن يعمل على الحفاظ على استقرار مؤشر السوق، هذا الصندوق في حد ذاته لن يكلف الحكومة أموالاً باهظة لأن مجرد الإعلان عن إنشائه سيعزز الثقة في السوق والمؤشر.
تهدئة (السوق) تتطلّب آليات سوقية خاصة
مساعدة سوق الأسهم المحلي تحتاج إلى التفكير في كيفية عزله عن التداعيات العالمية، وهذا يمكن أن يحدث ببساطة عن طريق إعلان هيئة السوق عن ضوابط مؤقتة لعمل السوق خلال فترة الشهرين المقبلين، مثلاً بأنها ستوقف التداول إذا تراجع المؤشر بأعلى من نسبة معيّنة ولتكن 6%، وأنها ستدخل كمشترية لعدد من الأسهم القيادية لصنع التوازن في السوق أو غيرها من ضوابط الثقة.
محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com