لا تزال ظاهرة تنقّل بعض المعلمين بين مدرستين أو أكثر مزعجة ومقلقة لمن هم في الميدان التربوي، وهو ما يعرف ب (تكميل المعلم لنصابه في مدرسة ثانية يوجد بها عجز لتسديد حصص بعض المواد) ومنذ فترة طويلة والمدارس والمعلمون يعانون
من تلك الظاهرة التي لم يوجد لها حل جذري تجعل بداية العام الدراسي منظمة وقوية، والمشكلة أن ظاهرة التكميل ليست مسألة طوارئ كوجود حالة وفاة أو مرض أو حادث لأحد المعلمين في المدرسة التي حصل بها ذلك النقص وتحتاج إلى معلم من مدرسة أخرى ليسد النقص الحاصل من جرّاء تلك الحالة الطارئة - ولو كان الأمر كذلك لوجب على الجميع التعاون لتجاوزها حرصاً على مصلحة الطلاب - بل هي مسألة متأصلة مع بداية كل عام دراسي جديد، حتى أصبحت معتادة ومن الأمور المسلمة لدى إدارات التعليم، وكأنها أمر ضروري من مستلزمات بداية العام، فما من مدرسة إلاّ ويأتيها معلم مكمل أو يذهب منها من يكمل في مدرسة أخرى، ومن النادر عدم حصول ذلك.
وهذه الظاهرة تعتبر من المعوّقات التي تقف أمام استقرار المدرسة ومن فيها، وأمام تحقيق الأهداف التربوية، وأمام حق المعلم في الاستقرار والأمن النفسي، وسلبياتها كثيرة جدا على الطالب والمعلم وإدارة المدرسة، فما أن يبدأ مدير المدرسة بإعداد الخطة للعام الدراسي الجديد، وتوزيع التكاليف والمهام والمناوبات، وإعداد الجدول المدرسي، وتوزيع المواد على المعلمين حتى يفاجأ بما يربك عليه جميع خططه وأعماله بطلب بعض المعلمين للتكميل بمدارس أخرى، فتبدأ حينئذ المعاناة، وتدخل إدارة المدرسة في دوامة اختيار أحد المعلمين للذهاب للتكميل، ويزداد الأمر سوءا عندما يرفض المعلم التكميل، فبدلا من ذهاب الجهود للتخطيط والتطوير والمتابعة تذهب لحل مشكلة من يكمّل، وتعبئة استمارات المفاضلة لتحديد من المرشح من المعلمين للذهاب للتكميل بالمدرسة الأخرى، ومن ثمّ تعاد الجهود المبذولة من توزيع التكاليف وإعداد الجداول مرة أخرى.
إنّ وجود مثل هذه الظاهرة في الميدان التربوي يجعل العدل بين المعلمين يتلاشى، وتكون سببا لتفشي الخلافات والأزمات، وفيها إشغالٌ لمراكز الإشراف التربوي، وهدرٌ للجهود والأوقات، والبعض من المعلمين يجد فيها الفرصة للتلاعب والخاسر من هذه الظاهرة هو الطالب الذي لم يُنظر من الأصل لمصلحته. إنّ من الأماني لمن هم في الميدان التربوي أن يأتي اليوم الذي لا يرون فيه هذه الظاهرة، فوجود المعلم في مدرسته من بداية العام وعدم اضطراره للتكميل يزيد من الجدية والاستقرار داخل المدارس، وهذا لا يتم إلاّ عن طريق التخطيط المسبق المبني على الإحصائيات الدقيقة والمدروسة، وعدم التقيد بنصاب أربع وعشرين حصة المسبب لكثير من المشاكل والمعاناة (فوجود فائض من الحصص داخل المدرسة يجعل السيطرة على النقص أثناء وجود طارئ أمر سهل ويسير، ويكون المعلم أكثر عطاءً لطلابه ومدرسته) وبالتعاون الإيجابي والسريع بين كافة مؤسسات الدولة المعنية بشؤون المعلمين كوزارة المالية والخدمة المدنية والتربية والتعليم، وضرورة البعد عن الروتين الممل لتذييل الصعاب لحل المشكلات المعضلة والعائقة أمام تطوير التعليم كي يتم إحداث نقلة نوعية فيه.
malqwehes@gmail.com