تزدحم الذاكرة بمخزون من الذكريات والمواقف والأحداث، ومنها ذكريات غاية في الأهمية تمثل رصيداً لتاريخ الإنسان على مدى ما مضى من عمره، كما أنها تتسع للتافه من الذكريات التي قد تكون هامشية وقليلة الأهمية.
والبعض منّا قد يشكو من ضعف ذاكرته وكثرة نسيانه، فيتهم الذاكرة وهو اتهام قد يتنافى وواقع الحال وللحكم لابد من تحليل وإيضاح، فإن حال الذاكرة بتصور عام لا ينفي دافع الشكوى من تردي الذاكرة ولهذا بعض من التفاصيل فما هو مهم في مخزون الذاكرة يسهل استدعاؤه بل إن هذا المخزون حافز على التذكر، فتتميز وتتصف تلك الذكريات بالعبقرية، فهي في انسجام مع وظائف الذاكرة ومطالب الإنسان وحاجته للتذكر، كما أنها تنشط الذاكرة وتفعل أداءها بتكرار محاولة الاستدعاء.
والأمثلة على هذا كثيرة، فإن الفرق بين المتميز والمهم جداً قياساً بما هو هامشي، يتبين فيما لو حاول أحدنا أن يتذكر رقم أي هاتف اعتماداً على ذاكرته دون أن يكتبه بغرض حفظه،.. فإن سرعة استدعائه مقابل استدعاء ذكرى مهمة مثل تاريخ تخرجه من الجامعة أو مناسبة التحاقه بالوظيفة، وما شابه ذلك فيتضح الفرق.
والمهم من المخزون يختلف من شخص إلى آخر، وبالتالي قد تتباين محاولة الاستدعاء، وأمر آخر وذلك حين يعتمد أحدنا على ذاكرته في حفظ رقم البطاقة الشخصية أو موعد لدعوة ضيف أو مضيف، ويحاول استدعاءه فيستعصي ذلك فينزعج من ضعف ذاكرته.
المشكلة ليست كذلك، فأمرها يعود أولاً إلى أن الموضوع هامشي بالنسبة للشخص، وأثناء سماعه أو قراءته للبطاقة لم يركز بشكل كاف ليتأكد من إضافته إلى مخزون الذاكرة بشكل يستجيب للاستدعاء، والمحصلة أن الموضوع الهامشي وعدم التركيز، ربما أن لهما دوراً كبيراً في مجال ضعف أو قوة الذاكرة.
ومن محصلة الموضوع أن القول بصفة الذكريات العبقرية لما هو مهم أو المهم جداً من محزون الذاكرة لا عجب فهي كذلك نسبة إلى مجموع المخزون من المتميز والهامشي في الذاكرة.
إن وظائف المخ بما احتوى من مراكز عدة عضو ينطبق عليه ما ينطبق على بقية الأعضاء حيث الكل يمر بمراحل نمو ثم استقرار يكتسب معه مزيداً من التجارب والخبرة، ثم تبدأ الكهولة فالشيخوخة، ولهذا كله تأثير على وظائف الأعضاء بما فيها المخ ومراكزه المختلفة، فإذا أحس أحدنا بتغير في ذاكرته فإن الإجابة من واقع السن وما يطرأ من تغيرات، ما عدا ذلك فإن الذاكرة ينفع أداءها التمرين والتركيز بانتباه مناسب، ولعل صفة النسيان التي خلقنا بها، وهي نعمة من نعم المولى عز وجل تبعدنا عن تذكر ما له انعكاس على النفس وصفاء الذهن، قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}
وهناك مثل إنجليزي قول: (لا تثق في ذاكرتك)، بمعنى اللجوء إلى وسائل تساعد على حفظ ما نود حفظه، كما أن الثقة والتفاؤل بصحة مستقرة وأداء جيد لوظائف الأعضاء يضيف قوة للمناخ الصحي بشكل عام، ولهذا ترتيب الكل عارف بتفاصيله.
كما أن السكينة والتصالح مع النفس لا سيما ما يتعلق بالمعتقد والمبادئ ومجموعة القيم ومشاركة الخير مع الناس مردود على كل ما ينفع الإنسان في الحياة بشكل عام. كما أن محاولة اكتساب شيء من ثقافة الوعي الصحي من مصادر أساسية يضع المعرفة قبل الوهم فتتضح الرؤى وفق خصائصها العلمية المعترف بها الآن.
ولعل في قاعدة لا إفراط ولا تفريط ما يضع الإنسان في مكانه المناسب وفق قدراته، وتفعيل كل المكتسبات لينعم ببهجة الحياة وما في جوهرها من الجمال. إن الرضى وفهم سنن الخالق بمطلق جماله، وما قدر وشاء للحياة والإنسان من مكونات وتكوين خطوات متقدمة من غاية الإيمان كمسير مع النفس والحياة، وحين نربط ما بين الفروع واصلها ما يحقق الخير للإنسان دنيا وآخرة بقدر ما يستوعبه من حكمة الخلق وأسباب أرادها الحكيم العليم بقضاء وقدر.