Al Jazirah NewsPaper Friday  24/10/2008 G Issue 13175
الجمعة 25 شوال 1429   العدد  13175
عبد العزيز الشويعر.. حين تتحدث الأعمال ويشهد الناس
يوسف بن محمد العتيق

لم أحتر كثيراً ولم أتردد حين قررت الكتابة عن الشيخ عبد العزيز بن علي الشويعر (أبو زكي) - أمد الله في عمره -، ولم يصاحبني شعور بالحرج من نظرة القارئ لمن يكتب عن الشخصية العامة؛ لأن الكتابة عن مثل هذا الرجل هي نقل لمشاعر الآخرين أكثر من كونها مشاعر كاتب هذه الأسطر بمفرده، ولو قلنا إن الحديث عن عبد العزيز بن علي الشويعر - وأمثاله - مطلوب لما ابتعدنا عن الصواب، فهذا الرجل قدم وما زال يقدم لوطنه المملكة العربية السعودية الشيء الكثير،

وما زلنا ننتظر منه الأكثر، فنحن كثيرا ما نثني على مؤرخين وكتاب إعلاميين ومثقفين ونفرد لهم المساحات وهم يستحقون ذلك وهذا واجب علينا وحق مشروع لهم، ويجب أن يكون مثلهم من يخدم وطنه من رجال الأعمال ممن لهم أياد بيضاء وبصمات واضحة في العمل الخيري والإنساني.

ومن تأمل أي موسوعة تاريخية تراثية لا بد أن تقف به القراءة عند الحديث عن الكثير من الرجال الذي خدموا عن طريق البر والإحسان والنشاط الاجتماعي، وإن كان يصاحب الكتابة عن هذه الشريحة الأخيرة شيء من الإحراج الاجتماعي، لكن الكاتب حين يثق بقلمه وهدفه في الكتابة فإنه يرى أن الكتابة مطلبا وطنيا وأخلاقيا مهما.

من أجل هذا وذاك فالحديث عن أبي زكي وأمثاله واجب وطني، وهو في الوقت نفسه جزء من رد الجميل، وتكريم أصحاب الأيادي البيضاء منهج ديني ثم وطني واجتماعي، فشكر المحسن على إحسانه حث عليه الدين الحنيف، ونجده واقعا ملموسا لدى ولي الأمر في هذا الوطن المعطاء من تكريم وتقدير لكل من قدم ويقدم لخدمة وطنه من رجال أعمال ومثقفين وإعلاميين وشعراء وأدباء ومهرجان الجنادرية خير شاهد على ذلك، فقد كرمت فيه شخصيات وطنية خدمت الوطن في مجال الاقتصاد وأعمال الخير.

شرائح متعددة ومستهدف واحد !!

توفي والده فتلقى اتصالاً معزياً من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والأمراء من أصحاب السمو كلهم شاركوه الحزن وواسوه في مصابه في فقد والده، وقَدِم الناس للعزاء فيه من كل حدب وصوب حتى أن أحدهم كتب في صحيفة الجزيرة قائلا في وصف مجلس العزاء بمنزله وكثرة المعزين: قد أتيت في وقت ما كنت أتوقع فيه أن أجد معزين (قبل الظهر بنصف ساعة) وفوجئت حينما وجدت كل الناس تعزي، وكنت أتوقع أن أجلس إلى جانبه، فما وجدت مجلساً إلا عند الباب (!) .

وفي خطاب خاص لم يوجه إلى أبي زكي (موجه إلى غيره) أثنى رمز الوطن الكبير معالي الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري - رحمه الله - على أبي زكي وشبهه بجده عمر الشويعر الذي كان من الأعيان في زمنه، ومات وهو مضرب المثل في الكرم والشهامة والجود والرأي.

وعلى موقعه على شبكة الإنترنت يعدد تلميذه محمد بن إبراهيم العتيق (أبو فهد) مديري المدرسة السعودية في وقت دراسته بها في أول الثمانينيات الهجرية، ويذكر من بينهم الشيخ عبد العزيز بن علي الشويعر.

وكتب أحدهم من محافظة عفيف مثنيا على دعم الشويعر لأعمال الخير في محافظته عفيف، وحين كتب الدكتور عبد العزيز الغزي أستاذ الآثار بجامعة الملك سعود والأكاديمي المعروف عن آثار مدينة جلاجل في إحدى مقالاته العلمية يقف عند عناية أبي زكي بجلاجل، ويقترح عليه بعض المقترحات التي من شأنها خدمة تاريخ هذا المدينة العريقة وآثارها. ويقول زميلنا ناصر العريج عن الفترة التي تعرض فيها أبو زكي لإصابة في قدمه وما عمله أعضاء نادي نجد بحوطة سدير، حيث يقول العريج: عندما علم إخوانك وأبناؤك - إدارة ومنسوبو النادي- بسفرك للخارج، حينها وضعوا لافتة ذات مشاعر كبيرة عنوانها (دعواتكم بالشفاء العاجل لعضو شرف النادي الفاعل.. الشيخ عبد العزيز العلي الشويعر) دعوات يرددها كل من دخل وزار النادي.

ويتحدث غير واحد بحماسة صادقة وحب وضرب قدوة وأنموذج بأن أبا زكي يبتعد في بعض الأحيان عن صخب المال والأعمال، ولجيج العقار والمساهمات والأراضي ويكون في مسقط رأسه سدير ليصلح بين اثنين اختلفا وتنازعا قد لا يلتفت إليهما ولا يعبأ بخلافهما أحد، ثم يبذل جهده وجاهه لجمع أبناء مسقط رأسه تحت مظلة واحدة مبتعدين عن الحزازات أو الخلافات التي لا تسلم منها المدن الصغيرة والقرى، أو أن يكون حضوره لسدير لمناقشة قضية اجتماعية أو صحية من شأنها خدمة الصالح العام، أو أن يصاحب فريقا من المختصين في جانب حيوي مهم لتستفيد المنطقة منهم ومن خبرتهم.

يقول الأستاذ بندر بن عثمان الصالح كان حضور أبي زكي بشكل يومي لمجلس العزاء في الوالد الشيخ عثمان الصالح محطة وفاء لا تنسى لأبي زكي ومحل تقدير الجميع .

ويقول زميلنا المهندس عبد المحسن بن عبد الله الماضي إنه لم يجد والده الشيخ عبد الله الماضي متأثرا ومكررا الزيارات لمريض كما تكررت زياراته مصطحبا أبناءه لزيارة الشيخ عبد العزيز الشويعر.

ويقول المهندس صالح الأحيدب مستشار وزير الشؤون الإسلامية: كنت ذات ليلة ومعي والدي ضمن ضيوف الأستاذ عبد العزيز في استراحته العامرة على طريق الثمامة وكان ذلك بحضور والده - رحمه الله - ولن أصف ما كان يحظى به والدي من حفاوة وترحيب من المضيف العزيز، لكن الشيء الذي كان له الأثر العظيم في نفسي هو ما حدث بعد ذلك حين نادى ضيوفه لتناول طعام العشاء، فما الذي حدث؟ لقد طلب مني بأدب جم وبروح أخوية رفيعة لا يملكها إلا أصحاب القامات العالية، لقد طلب مني أن أسمح له شخصياً أن يقوم بخدمة والدي إلى جانب خدمته لوالده على طاولة مستقلة تجمعه بهما فقط، لم أملك في تلك اللحظة إلا أن أقول له: أكرمك الله كما أكرمت هذين الشيخين الكبيرين وزادك الله من فضله ورزقك بر أبنائك وبناتك.

وحين تدخل أي موقع لمدن وقرى سدير على شبكة الإنترنت ستجد ثناء وذكرا حسنا لهذا الرجل ووصفه بالابن البار لسدير بل الوطن كله.

ويستحيل أن تلج قدماك ناديا رياضيا في سدير، أو مركزا صيفيا، أو منشطا اجتماعيا أو ثقافيا أو جائزة تفوق علمي، أو موقعا لمدينة إلا وستجد لأبي زكي ثناء وتقديرا عند هؤلاء.

ما ذكرته هنا لا يمثل سوى نماذج مما نشر في الصحف أو مواقع الإنترنت وجزءا يسير مما يتردد في المجالس عن هذه الشخصية.

وكاتب هذه الأسطر حصل له شخصيا موقف طريف قبل أيام قليلة وفي شهر رمضان المنصرم تحديدا في إحدى المناسبات العامة التي حضرها الشويعر، فقد تقدم إلي أحد الأفاضل قائلا: هل ترغب في أن أعرفك على أبي زكي؟ ويقول هذا الشخص: أنا تربطني علاقة جيدة بأبي زكي وسأعرفك عليه (!) وهذا الشخص الذي تحدث معي يتحدث بصدق وعفوية، وهو يمثل مشهدا مألوفا لكل من يعرف أبا زكي جيدا، فكل من تعرف على أبي زكي يشعر وكأنه صديقه الخاص وذلك لتعامله الراقي وخلقه الرفيع ويرغب في أن يتعرف الجميع عليه، كما يفتخر بأنه صديق خاص لأبي زكي مع أن الجميع يلقون التعامل نفسه.

لماذا؟

ودعني أسأل سؤالا وأجيب عنه: هل اكتسب أبو زكي هذه المكانة الرفيعة وهذا الثناء المتواتر كونه رجل أعمال ومتبرعا فقط؟!

جوابي بل جواب الكثيرين معي أن أبا زكي جعل المال جزءا من منظومة أخلاقية متكاملة يتمتع بها، وقد استطاع من خلال هذه المنظومة كسب قلوب الناس لأجل الصالح العام وخدمة هذا الوطن وفق تطلعات ولاة الأمر وتوجيهاتهم.

الأغنياء والموسرون في هذا البلد كثر بحمد الله، والمتبرعون لأعمال الخير متوافرون في هذا البلد المعطاء بفضل الله، ومنهم من يفوق الشويعر ثراء أو يقل عنه.

لكن الشيخ عبد العزيز بن علي الشويعر اختط لنفسه منهجا ورؤية جعلت منه أنموذجا في وطنه وعند مواطنيه بشكل عام، وأهالي مسقط رأسه مركز جلاجل بشكل خاص بل وما جاورها من قرى ومراكز ومدن.

وحتى لا أطيل في الثناء والمديح لعله من المناسب أن أذكر المنهجية التي يسر عليها أبو زكي.

(1) مع النفع العام

يكتب غير واحد من الناس لأبي زكي طالبا سداد قرض أو إعانة زواج أو دفع مشكلة مالية، وهو في أكثر الأحيان يقدم لهم ما يمكن ويناسب تقديمه حسب الحالة واحتياجها إلا أنه يتبع ذلك بقوله (عذرا، فأنا دائماً مع المشروعات ذات النفع العام)، ويقصد من ذلك المشروعات التي يطال نفعها أكثر من شخص وتبقى لأكثر من جيل، وهذا ما نشاهده في مثل بنائه مركزا صحيا جاوزت تكلفته الثمانية ملايين ريال في مسقط رأسه مدينة جلاجل أو ترميم وتجديد بناء مركز صحي بحي الملز، أو مساهماته المشكورة في مشروعات الإسكان الخيري، ومكافحة السرطان وهو بهذا يمسك بالعصا من المنتصف في نفع الأفراد، وعدم بعثرة الأموال في مصالح فردية قد لا تكون الحاجة فيها ملحة، وإن كانت الحاجة ملحة فهي تندرج في ما يقدمه من المشروعات ذات النفع العام.

(2) التسلسل المنطقي في أعمال الخير

مسقط رأسه جلاجل وما جاورها مثل المجمعة والحوطة والروضة - الرياض - المملكة العربية السعودية بكل قراها ومدنها، هذا هو خط سير رحلة أعمال أبي زكي في مجال الخير والبر والتنمية الاجتماعية والصحية، فهو يبدأ بتسلسل منطقي أو بقاعدة الأقربون أولى بالمعروف، وفي تقديري لو أن الموسرين ورجال الأعمال ساروا على هذا النهج من التسلسل في عمل الخير لكان الوضع مغايراً لما نراه الآن من تكدس لأعمال الخير في أماكن دون أخرى، وعلى سبيل المثال بناء المساجد أو الخدمات العامة تجدها في أماكن متوافرة بشكل مرض وفي أماكن أخرى دون الدرجة المطلوبة، هذا إن كانت موجودة، وسبب ذلك حرص بعض رجال الأعمال على أن تكون مساهماتهم في المدن الكبرى أو بقربهم مع أن مدن الأطراف والقرى الصغيرة تكون في كثير من الأحيان أحوج لمحدودية دخل أفرادها، وعدم وجود رجال الأعمال ومشروعاتهم بها، وعدم إمكانية توافر المشروعات الصحية الكبرى بها.

(3) الذكاء الحاد والتغافل الإيجابي

تنقل كتب السير عن أحد الصحابة الكرام - رضي الله عنهم أجمعين - ممن رزقه الله مالا أن بعض عبيده وممالكيه يتظاهرون بالعبادة أمامه حتى يسعدوا بهباته أو إعتاقهم، فيعطيهم ما ينالون من الهبات أو العتق، فيقال لهذا الصحابي إنهم يخدعونك!! فيقول هذا الصحابي الكريم: (من خدعنا بالله انخدعنا له). وفي تقديري أن هذه الطريقة من أكثر الطرق روعة ومنهجية أن لا يصادم المحسن وفاعل الخير بعض المرضى وضعاف النفوس باكتشاف أغلاطهم، بل التعامل معهم بهدوء وضبط نفس وعدم إحراج المخطئ بكشفه، بل إرسال رسائل غير مباشرة له ليكتشف غلطه ولعله يتعدل مستقبلا.

وأبو زكي من هذا النوع فهو حاد الذكاء جدا، لكنه يندر أو يستحيل أن يلج في مشكلة أو متاهة أو ينزل إلى السفاسف بل يعالج هذه الأمور بطرق راقية، أو بطريقة إياك اعني واسمعي يا جارة!!

سمعت قصة مفادها اتهام بالتقصير وعدم التحري في حق شخص يتولى عمل الخير وهو محل ثقة من أبي زكي وغيره من رجال الأعمال، وهذا الاتهام بدون شك غير صائب يقول هذا الشخص المتهم بالتقصير: تلقيت اتصالا من الشويعر يثني عليَّ وأخبرني أنه لا يساوره الشك فيه أبدا، وفي هذا الاتصال من أبي زكي رسالة بل عدة رسائل للمجتمع وللشخص محل الثقة وكل من يعنيه الأمر (!)

(4) للكل حق الاحترام والتقدير

ومن مزايا هذا الرجل الكريمة أنك في مجلسه لا تحس أنك ضيف من الدرجة الثانية أو الثالثة، بل كل ضيوفه لهم حق التقدير والاحترام وبخاصة كبار السن الذين لهم تقدير مضاعف ومثلهم أصحاب السابقة الوطنية والاجتماعية، سعدت بدعوته الكريمة قبل أسابيع قليلة لاحتفائه بالشيخ عبد الله بن عبد المحسن الماضي، ولفت نظري أن جميع الحضور وكأن كل واحد منهم هو المحتفى به مع احتفاء خاص وتقدير متميز للضيف المحتفى به، فأبو زكي ينتقل في المجلس من زاوية إلى زاوية أخرى ويرحب بضيف ويحتفي بآخر ويستفسر من ثالث عن أمر يهمه، ويتابع بالهاتف مع ضيف تأخر وصوله ممن لم يستطع الوصول إلى المكان، ومع أن هذا المجلس مليء بشخصيات وطنية اقتصادية كبيرة إلا أن جيل الشباب لهم عناية خاصة. هذه وقفات سريعة ومختصرة أكتبها عن أبي زكي، والقصد الأهم من كل ما كتب رسالة لأبي زكي أن جهدك وعملك مقدر ويذكر فيشكر.

محطات في حياة الشويعر

ولد أبو زكي في مدينة جلاجل في 1-1-1358هـ.

عمل في حقل التعليم بمدرسة جلاجل مساعدا لمدير المدرسة ثم مديرا لمدرسة روضة سدير ومعهد المعلمين خلال الفترة من 1-6- 1375هـ حتى يوم 8-2- 1379هـ .

ثم عمل في أكثر من جهة حكومية من بينها ديون المراقبة العامة، بعدها تفرغ للعمل التجاري ولا سيما النشاط العقاري وتميز فيه.

وهو عضو في مجالس وإدارات عديدة، منها:

عضو مجلس إدارة شركة الرياض للتعمير منذ إنشائها ولفترتين متتاليتين.

عضو مجلس الأمناء في مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين.

عضو تنمية الموارد منذ إنشائها - وعضو المجلس التنفيذي لمدة ست سنوات.

عضو مجلس الأمناء وعضو اللجنة التنفيذية لمؤسسة الملك عبد الله لوالديه للإسكان التنموي.عضو مجلس الإدارة وعضو لجنة تنمية الموارد بجمعية الأمير فهد بن سلمان لرعاية مرضي الفشل الكلوي.

عضو مجلس الإدارة بمؤسسة الرياض الخيرية للعلوم.رئيس الجمعية الخيرية بجلاجل منذ تأسيسها وحتى تاريخ 19-1- 1427هـ حيث قدم استقالته بسبب انشغاله وعدم إقامته بجلاجل.



للتواصل : فاكس-2092858 Tyty88@gawab.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6288 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد