ما أكثر الرجال في بلادنا الذين ظلوا يحفرون بأظفارهم في صخور الحياة حتى تتفجر منها ينابيع العطاء متدفقة في شتى الميادين، ولكن ما أقل من يعرفون هذا الصنف ويدركون كيف يحدث هذا، ولماذا يحدث؟! وما أكثر الذين تعلموا من أبناء الوطن وتسنموا مناصب وتحملوا مسؤوليات كبيرة، وعملوا بإخلاص وتفان وحب لهذا الوطن الغالي، لكن القليل منهم يعرفه عامة الناس ويدركون إنجازاتهم وجهودهم ويقفون على دلالات إخلاصهم وعشقهم للوطن أرضاً وإنساناً!
حينما يذكر هذا الطراز من أبناء الوطن الأوفياء يقفز إلى الذاكرة أحد الأعلام البارزين وأحد فرسان الفكر في ميادين العطاء، ألا وهو معالي الأستاذ الدكتور عبدالله العثمان مدير جامعة الملك سعود هو أحد القلائل الذين جمعوا بين تلك الصفات النادرة، العلم، الفكر، الحكمة، القدرة على الإبداع، فن الإدارة، حب الوطن والإخلاص في خدمته وخدمة مواطنيه.
هو أحد الذين أهلتهم الدولة، تعليماً وتدريباً وإعداداً وأدركت نبوغهم المبكر في عدة مجالات، وكان عند حسن ظن ولاة الأمر الذين أحسنوا الاختيار.. أينما وضع كان النجاح حليفاً له، والتفوق ملازماً لنشاطه، والتوفيق رديفاً لجهوده.
ابتعثته الدولة للدراسات العليا في الخارج زيادة في الإعداد وتهيئة للتصدي لمزيد من المسؤوليات والمهام الكبيرة.
وعاد أ. د. عبدالله العثمان للوطن وفي معيته المزيد من الفكر والعلم والتجربة وأحدث النظم الإدارية والتطويرية والإبداعية، وعمل على توطينها أينما حل في موقع وظيفي تم تكليفه، وتصدى لشرف خدمة الوطن والمليك والمواطنين بحزم وعزم وصبر وعلو همة.
الرجل ما زال على رأس العمل يزداد عطاؤه يوماً بعد يوم مع كل تراكم الخبرة، وتجدد المعرفة لكن حان الأوان أن نقول شكراً لهذا العطاء المتجدد ولهذه الجهود المخلصة المبذولة منه، ولهذا الوفاء الذي لا ينبع إلا من أهل الهمم العالية، وذوي الانتماء الوطني الخالص وشكراً على الإنجازات، والنجاحات المتتالية.
غير أن الإخلاص حينما يكون سجية في المرء فإن عطاءه يكون ثراً، ومردوده يكون سريعاً ونافعاً، ونتائجه تكون مبهرة ومفرحة.. والجهود حينما تكون مخلصة تكون تلقائية وموفقة تبذل في وقتها المناسب، وبحجمها المناسب، وبشكلها الذي إلى النتائج المأمولة، والعطاء حينما يكون نابعاً من الضمير والمسؤولية فإنه يكون ممتداً ومتصلاً ومنطلقاً من الإحساس بالواجب، فلم يكن (العثمان) إلا رجلاً من طراز خاص متفهم لوسائل وأدوات التقدم في هذا العصر، يتنقل بفكره وفهمه إلى كل عام جديد في الألفية الجديدة، مستصحباً أدوات العصر.. إن لم نقل كان يسبق بفكره متطلبات العصر.
ليس من السهل تعديد المناصب والمسؤوليات التي تولاها هذا الرجل وعضوية مجلس الإدارة التي يشغلها.. وما ذلك إلا دليل إضافي على قدراته الذهنية وتعدد مواهبه وإدارك ولاة الأمر - يحفظهم الله - لما يتميز به من خصوصيات وإمكانات ذاتية توجب الاستفادة منها وتوظيفها أينما كان نداء الوطن مسموعاً.
لنقف عند محطة توليه إدارة جامعة الملك سعود وقد تلوى عدة مناصب قيادية فيها قبل الإدارة وبذل فيها من الجهود وأبرز فيها من القدرات ما جعله يكون مناسباً لتولي إدارة الجامعة.
وأحدث فيها نقلة نوعية يلمسها القريب والبعيد، في عهده تقدمت الجامعة على مستوى العالم من المركز 3062 إلى المركز 380 عالمياً ضمن نادي أفضل 400 جامعة عالمية، وحققت المركز الأول عربياً والثامن والعشرين آسيوياً وهذه نقطة إضافية تحسب للدكتور عبدالله العثمان.. حيث دخل الوطن مرحلة جديدة من مراحل الإنجاز والتنافس العالمي عل مستوى التعليم العالي.
وهذا الإنجاز - كغيره من المنجزات التي رافقت مسيرة العثمان - لم يأتِ من فراغ أو من قبيل المصادفة.. بل كان نتائج جهود مخلصة ومتصلة، وعمل دؤوب مرتكز على رؤية تحدث بذكاء في أفق المستقبل مصحوبة بأهداف واضحة ومدفوعة بخبرة وحس وطني ومسؤولية وإخلاص.
نعم، في عهده قفزت الجامعة علمياً.. وتقنياً وسجلت حضوراً دولياً.. وأنجز مشروعات كراسي البحث العلمي التي تعتبر منجزات مهمة، وكذلك مشروع وادي التقنية.. أنجز الكثير من المشروعات التي أبرزت تميز الجامعة وريادتها في شتى الميادين وتقدمها العلمي والتقنية.
أحدث عدداً من المنشآت التي حالفها النجاح والتوفيق.. وحقق الكثير من المكاسب للموظفين والعاملين بالجامعة.. نسي نفسه في غمرة الجهود التي يبذلها من أجل العاملين بالجامعة وطلابها، ولم تكتف الجامعة في عهده بالاحتفاظ بأحقية لقب الجامعة الأم بل تميزت في ترجمة هذا اللقب من خلال المكانة التي احتلتها في الأداء والعطاء وخدمة العلم والمجتمع.
ودلالات ذلك واضحة وجلية من خلال تميز الكادر البشري إعداداً وتأهيلاً وتطويراً ومن خلال القرارات الإيجابية التي اتخذت لصالح الجامعة وأساتذتها وطلابها الكل يعلم أن د. العثمان يتابع أمور الطلاب متابعة شخصية، ويتواصل معهم دون وسيط وبعيداً عن التقارير المعلبة!!
حقبة د. العثمان في جامعة الملك سعود، حقبة مميزة بكل المقاييس وهي نتاج طبيعي لاختيار ولاة الأمر الموفق.. والتي تجد الدعم والجهود المباركة من المسؤولين ومن وزارة التعليم العالي التي تساند مشروعات وبرامج الجامعة.. وها هو العثمان الذي يرتقي بالجامعة من مرحلة إلى أخرى في سلم المجد - يتأهب للدخول في منافسة تصنيف شانغهاي العالمي للجامعات للعام 2010م ولا شك أن أم الجامعات ستخوض تلك المنافسة وهي أكثر منعة وتطوراً ورقياً.
نقول: شكراً للعثمان على هذه الجهود المخلصة.. وعلى هذا الوفاء للوطن ولأهله.