إن 75 % من الأمريكيين الآن غير راضين عن أداء الرئيس جورج دبليو بوش. وحين نعلم هذا، إلى جانب حقيقة أخرى مفادها أن السياسات والقيم التي يتبناها جون ماكين ومرشحته لمنصب نائب الرئيس، سارة بالين، تكاد تكون متطابقة مع السياسات والقيم التي يتبناها بوش، فمن الطبيعي أن نتوقع تقدم أوباما في استطلاعات الرأي بهامش أعرض من الهامش الذي يتقدم به بالفعل. وفي اعتقادي أن السبب الذي يمنعه من التقدم بهامش عريض هو العنصرية.
فحين يُسأل كبار السن من ذوي البشرة البيضاء يُسارع أغلبهم إلى رفض أوباما، رغم أن العديد منهم غير راضين عن بوش. والحقيقة أن ثلث الديمقراطيين الذين شاركوا في الاستطلاعات أكدوا أنهم لن يصوتوا لصالح مرشح أسود.
كما أكد استطلاع حديث أجرته وكالة أسوشيتيد بريس بالتعاون مع شركة ياهو أن انتماء أوباما العرقي يكلفه ستة نقاط نسبية في الاستطلاعات. في أغلب الأوقات تكون هذه العنصرية مستترة، فيلمح إليها فقط من خلال كلمات رمزية.
وهنا تشكل أجهزة الإعلام أهمية خاصة، وخاصة وسائل الإعلام وبرامج الإذاعة المحافظة المتزايدة الشعبية. فكثيراً ما يُنتقد أوباما (لاختلافه) و(غطرسته)، وهذا النوع من النعوت يعيد إلى أذهاننا صورة (الزنجي المتبجح) من أيام الفصل العنصري، وهي في الحقيقة أيام ليست بعيدة كثيراً في الماضي الأمريكي.
في مقابلة حديثة رأينا كيف تحدث بل أورايلي، أشهر مستضيفي برامج الحوار التلفزيونية لدى قناة فوكس للأنباء، وهي المحطة الأمريكية الأكثر مشاهدة، رأينا كيف تحدث إلى أوباما باستعلاء إلى الحد الذي جعل بعض المشاهدين يتذكرون صورة مالك العبيد في أحد أفلام هوليود القديمة وهو يضع شاب أسود محدث النعمة في مكانه.
كما رأينا شون هانيتي، وهو نجم آخر من نجوم قناة فوكس للأنباء التي يمتلكها روبرت مردوخ، وهو يجري مقابلة مع فريد زكريا، الكاتب المشهور لدى صحيفة نيوزويك والذي يستضيف برنامجاً حوارياً خاصاً تذيعه قناة سي إن إن، فسأله على نحو متكرر وبإلحاح عما إذا كان يعتقد أن أمريكا هي أعظم أمة على وجه الأرض.
ويبدو أن زكريا ذا البشرة الداكنة، وهو أمريكي من أصل هندي ويحمل شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد، شعر بضرورة تأكيد ولائه لأمريكا مرتين. والحقيقة أنه من الصعب أن أتخيل هانيتي وهو يطلب مثل هذا التأكيد العلني للولاء من أي شخص من ذوي البشرة البيضاء.
إلى أي حدٍ إذن قد يتكلف أوباما نتيجة لانتمائه العرقي؟ المشكلة هنا أن القائمين على إجراء الاستطلاعات لا يستطيعون قياس الأمر بصورة فعّالة. وهم يطلقون على مثل هذا الموقف (مفعول برادلي)، والذي لوحظ لأول مرة أثناء انتخابات حاكم كاليفورنيا في العام 1982م، حين خسر توم برادلي، وهو أمريكي من أصل إفريقي، خسر السباق لصالح خصمه الأبيض رغم تقدمه في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات طيلة فترة الحملة الانتخابية.
تتلخص الفكرة وراء (مفعول برادلي) في أن الناخبين من ذوي البشرة البيضاء لا يكشفون عن تحيزهم للقائمين على إجراء استطلاعات الرأي. بل إنهم يكذبون ويزعمون أنهم سوف يصوتون لصالح المرشح الأسود، بينما هم في الحقيقة لا يعتزمون ذلك على الإطلاق.
لا شك أن العديد من الناس سوف يزعمون أن أوباما أثبت أن (مفعول برادلي) أصبح الآن أمراً من الماضي. ولكن الصعوبات المستمرة التي يواجهها مع الناخبين من الطبقة العاملة من ذوي البشرة البيضاء، والذين أيدوا هيلاري كلينتون في الانتخابات الأولية، ربما تؤكد أن (مفعول برادلي) ما زال مؤثراً، وإلى حد كبير.
إن الأمريكيين الأحدث سناً يتقبلون العلاقات بين الأجناس المختلفة باعتبارها جزءاً من الحياة الاجتماعية والجنسية الطبيعية. بيد أن السرعة التي تقدم بها المجتمع الأمريكي تشكل في الحقيقة تهديداً بالنسبة لنصف سكان البلاد، وأغلبهم من كبار السن ذوي البشرة البيضاء غير القادرين وغير الراغبين في الحياة في ظل الواقع الحديث.
إن الحزب الجمهوري المعتدل الذي أسسه دوايت د. أيزنهاور وآل روكفلر، أصبح الآن تحت رحمة جماهير متطرفة، حتى مع أن حفيدة أيزنهاور تناصر أوباما الآن علناً. والحقيقة أن العديد من غير الأمريكيين يشعرون بالذهول حين يدركون أن العديد من أهل هذه الأمة العظيمة لم يفيقوا بعد على حقيقة مفادها أن أربعة أعوام أخرى من حكم الجمهوريين من شأنها أن تزيد من تدهور وإفلاس البلاد.
إن الجهل ليس جرماً يعاقب عليه القانون في أي مجتمع متحضر، والتزمت حق يتمتع به أي شخص.. ولكن المزعج في الأمر هو الكيفية التي أصبحت بها المعتقدات الدينية والأخلاقية الخاصة ذات تأثير كبير في صياغة الأجندة العلمانية لأمريكا، التي صمم آباؤها المؤسسون الدستور خصيصاً للفصل بين الدولة والثقافة.
إن الحزب الجمهوري المتطرف الآن يمثل قطاعاً عريضاً من سكان أمريكا الذين يعتقدون أن الإجهاض وزواج المثليين من الأمور المنافية للأخلاق، وأن الرب أرسل أمريكا إلى العراق، وأن إنقاذ وال ستريت (اشتراكية).
أثناء المؤتمر الجمهوري الذي عقد في أغسطس - آب، بدت الأناشيد الصارخة وكأنها صيحات يأس، أو كأنها تتحدى عدواً يهدد حق الأمريكيين المقدس في أن يظلوا متفوقين. والحقيقة أن بالين حددت العدو منذ ذلك الوقت حين قالت: (هذا ليس بالرجل الذي يستطيع أن يرى أمريكا كما أراها وكما ترونها).
وسواء كان حكمها ذاك يحمل مسحة عنصرية، كما يعتقد أغلب المراقبين، فإن الاستطلاعات تشير إلى أن العديد من الأمريكيين يوافقونها.
(*) زميل زائر سابق بقسم التاريخ لدى جامعتي أكسفورد وبرينستون.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008.
خاص لـ(الجزيرة)