كنت قد قدمت لهذه الصور الاجتماعية في مقال الأربعاء الأسبوع الماضي بأنه سيكون هناك سلسلة من المقالات غير المتتابعة بالضرورة عن بعض واقع المجتمع السعودي في محاولة تجريبية للمزج بين عين الكاميرا وبين التحليل الاجتماعي من منظور علم اجتماع المعرفة من خلال استقراء المضمون الاجتماعي والإطار الثقافي والدلالة المعرفية لهذه الصور.
وقد استهللت هذا الشريط السينمائي من الصور الاجتماعية بمشهد صلاة التراويح وكنت قد انتخبت ذلك المشهد من المتابعة البصرية والتحليلية لصلاة التراويح في مسجد الأمير عبدالعزيز بن فهد بمنطقة حي البساتين بجدة.
وقد توقف مقال الأسبوع الماضي من تناوله لصورة (صلاة التراويح والقيام) عند نقل صورة حركة نقل السيدات إلى المسجد بواسطة العربات الخاصة التي يقودوهن فيها شباب يافع من الأبناء أو مجموعة من السائقين المستقدمين لهذه الوظيفة من خارج البلاد مع إشارة لغياب الزوج في الأغلب عن هذه المهمة مع حضوره غيابيا من خلال وجود شخص آخر ممثل له للقيام بما يعتبر (اجتماعيا) وظيفة خاصة بالرجال وهي وظيفة (القيادة).
وإن كان لم يتسن لي بطبيعة الحال معرفة ما إذا كان عددا يكبر أو يصغر من أزواج أولئك النسوة القادمات لأداء صلاة من المشاركين في صلاة التراويح والقيام في نفس المسجد.
بيد أن التحقق من تلك المعلومة خاصة في حالة أنه جاء بالإيجاب لم يكن ليقلل بل يعمق من أهمية التساؤل عن ذلك الشكل من الحضور الغائب أو الغياب الحاضر للزوج في مثل هذا النشاط الذي تقوم به النساء.
ولتقريب الصورة فيمكن طرح السؤال بصورة مبسطة كالتالي: إذا كان الرجل/الزوج/الأب/ أو من يقوم مقامه الأسري حاضرا للصلاة في الموقع الرئيسي للمسجد فلماذا لم يكون الحضور حضورا أسريا أي لماذا تحضر النساء مع السائق أو الابن اليافع؟ أما إذا لم يكن حاضرا فإن ذلك أيضا لا يلغي السؤال.
وهـذا في قراءتي ما يقود إلى وضع اليد على المضمون الاجتماعي لموقع المرأة في المجتمع الذي يجعل نشاطها حتى في (نشاط مشروع) مثل هذا منوطا بحضور (رجل) وإن كان سائقا أجنبيا أو ابنها الصغير, في نفس الوقت الذي يثير التساؤل عن هوية الإطار الثقافي الذي يجعل من ذلك أمرا مقبولا بل مدعاة تفاخر بإطلاق مسمى (الخصوصية السعودية) عليه.
فبدون إطار ثقافي يساند موقع المرأة (كموصى عليها) حتى لا أقول قاصر لم يكن هذا المضمون الاجتماعي ليصمد أمام التحولات الكثيرة التي شهدها المجتمع السعودي في العشرين سنة الماضية تحديدا.
وعلى الأخص ما يتعلق منها بتبلور واستقرار الحياة الحضرية بتحول عدد واسع من سكان المملكة للسكنى في مدن آهلة أو تحول كثير من الأطراف الجغرافية إلى حياة مدنية تتسم بالاستقرار, وكذلك ما يتعلق منها بما أثبتته المرأة من أهلية العلم والعمل.
وعندها لا يصبح صعبا التعرف على الدلالة المعرفية لمثل هذه الصورة من صور الواقع والمتمثلة فيما تعكسه الصورة من تأرجح غير محسوم للتحولات وإن بدا أنه يحاول أن يعطي انطباعا بأن لا شيء يتغير في نفس الوقت الذي يريد أن يعطي فيه انطباعا معاكسا تماما.
أي بأننا مع التنمية وسواه من يعرف بمصطلحات التغير والإصلاح.
وهذا ما يجعل هناك حالة من التوتر والبلبلة والتشنج والتخبط إن لم يكن الضياع في مسار التحولات.
بل أحيانا نجد عمليات من الترقيع والتلفيق والفراغات المخيفة في إعادة إنتاج الأدوار والوظائف والعلاقات الاجتماعية الناجمة عن طبيعة مثل هذه التحولات المتضاربة في المضمون والاتجاه والأهداف.
***
تعدد زوايا النظر إلى الصورة الأولى: على أنه لا بد أن يلفت عين الكاميرا بعد صلاة التراويح والقيام عند المرور ببعض المساجد الأخرى داخل ممرات الأحياء الأقل رفاها وجود (رجلية) من النساء العائدات إلى بيوتهن من تلك المساجد في الهزيع الأخير من الليل مشيا على الأقدام.
وهن يسلكن الطرقات متدثرات بعباءات سوداء منقبات أو مكتفيات بالحجاب ماعدا الوجه يمشين الهوينا في حس من الثقة والأمان فرادى أو زرافات دون رفقة أي رجل في مشهد فريد يغاير الصورة النمطية لحركة نساء المملكة.
وربما تكون هذه الصورة التي لا قد تتكرر كثيرا في الأماكن العامة إلا قريبا من دور العبادة في شهر رمضان من الصور السرية التي لا يعرفها الإعلام العالمي من صور سيسيولوجيا واقع النساء بالمجتمع السعودي.
وهذا ما يعني أن أسئلة ماذكرناه عن المضمون الاجتماعي والإطار الثقافي والدلالة المعرفية ليست أسئلة نهائية كما أنها تحتمل تعدد الإجابات تبعا لتعدد الطيف الاجتماعي بالمجتمع السعودي وإن كان ذلك لا ينفي وجود اتجاهات سائدة عامة تتحكم في حركة التحولات والتغير الاجتماعي بالمجتمع السعودي وإن اختلفت المواقف غير الجهرية منها أو جاءت على استحياء.
الأسبوع صورة اجتماعية من الداخل للنساء في صلاة التراويح والقيام.
هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد
Fowziyah@maktoob.com