(الإسلامويون) يؤكدون دائماً أنهم يتقربون إلى الله عندما يمارسون العمل السياسي؛ وأن هذا العمل يُمليه عليهم - كما يقولون - إيمانهم بالله جلَّ وعلا، وبصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، وضرورة النضال من أجل تطبيقها. غير أن هذا الزعم تبخّر أو كاد عندما تحالف (الإسلامويون) السودانيون بقيادة حسن الترابي مع الحزب الشيوعي السوداني، في تحالف (مضحك)، بين من يقول: (الدين أفيون الشعوب)، وبين الآية الكريمة التي تقول: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإسلام}؛ كيف التقيا، وكيف تحالفا؟ لا أدري؛ ولكن هذا ما جاءت به الأخبار القادمة من هناك.
اقرؤوا الخبر التالي: (اتفقت قوة المعارضة السودانية من الإسلاميين والشيوعيين وبقية القوى السياسية الفاعلة على صياغة ورقة التحالف الاستراتيجي بينهم حول جميع القضايا العالقة. وعقد الاجتماع في دار الحزب الشيوعي السوداني، حيث سجل الإسلاميون بقيادة حزب المؤتمر الشعبي المعارض حضوراً فاعلاً في معقل الشيوعيين. وكلف الاجتماع سبعة من قيادات الأحزاب بصياغة ورقة التحالف بين قوى المعارضة للاتفاق حول القضايا الوطنية الرئيسية ومن بينها قضايا الوضع السياسي وأزمة دار فور والحل السلمي ومسألة المحاسبة الجنائية والانتخابات المقبلة).
أن تتحالف مع الشيطان في سبيل مصلحتك فهذا - كما يقول تشرشل - سياسة؛ وهو - بالمناسبة - المبرر الوحيد الذي لم أجد مبرراً غيره الذي أباح ل(الإسلامويين) السودانيين إبرام هذه الصفقة السياسية مع الشيوعيين؛ ففي السياسة تقدم المصالح دائماً وأبداً، ولا عبرة بأي ثوابت أخرى.
النقطة الثانية التي لا بد من إثارتها في هذا الصدد أن (الإسلامويين) من أجل أن يستقطبوا المؤيدين إلى مناصرتهم، ودعمهم، ما عليهم إلا إضافة اسم (إسلامي) إلى حركتهم أو حزبهم، وأن يُطلقوا اللحى، ويهتموا بالشكليات، وبعد ذلك لهم كامل الحرية لأن يخوضوا في (السياسة) كما يريدون، وحسب مقتضيات مصلحة الحزب، وليس مبادئ الدين، حتى وإن دعت المصلحة السياسية إلى التحالف مع الماركسيين مثل ما فعل (إسلامويو) السودان.
وحسب متابعتي للحركات التي تتخذ من الإسلام (مطية) لتحقيق غايات سياسية، فإن أقطاب الأحزاب السودانية (الإسلامية) الذين تحالفوا مع الماركسيين لو سألتهم فسوف يجدون في التراث ما يبررون به هذا التحالف، ولن يعدموا (اللف والدوران) كما هو أسلوبهم، للعب على الثوابت طالما الأمر متعلق بالمصلحة الحزبية.
ويقف في مقدمة هذه الحركات السياسية الإسلاموية جماعة (الإخوان المسلمون) الذين يوظفون دائماً البراغماتية للوصول إلى أهدافهم. وعلى الرغم من أن هذه الجماعة مثل ما جاء على لسان أحد أساطينها المعاصرين (عصام العريان) تنفي أنها تسعى إلى (الحكم)، ولكنها تسعى إلى (تحكيم الإسلام)، إلا أن تعاملاتها السياسية، ومحاولة (تطويع) النصوص لمقتضيات المصالح الحزبية، واللعب على العواطف والشعارات، هو أحد أهم أساليبها للوصول إلى الحكم.
والبراغماتية في رأيي تختلف مع جوهر الدين، فهي إلى (النفاق) الذي يرفضه الدين أقرب منها إلى الدين. فيما يرى (الإسلامويون) أن البراغماتية ضرورة للعمل السياسي، و(يلتقطون) من التراث أدلة وشواهد دون أن يلتفتوا إلى توثيق صحتها من أجل تبرير (البراغماتية)؛ مثل الحديث الذي روي عن أبي الدرداء: (إنَّا لنكشرُ في وجوه أقوام وإن قلوبنا تلعنهم). أو ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: (ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان). وكذلك بعض المقولات التي جاءت في المأثور مثل: ما وقى الرجل به عرضه فهو له صدقة. وخالطوا الناس بأعمالكم وزايلوهم بالقلوب. وغيرها من (الذرائع) النصية التي تعطي للإسلاموي مساحة من (الحركة) في العمل السياسي.
وفي تقديري فإن (الحركية الإسلاموية) لتبرير ممارساتها السياسية، قد أساءت كثيراً لجوهر الدين. ولعل تحالف (الإسلامويين) السودانيين مع الشيوعيين (مثال) واضح يؤكد أن السياسة ومقتضياتها، و(مصالح) أحزابها ومتحزبيها، هي التي تحكم الدين وليس العكس. إلى اللقاء.