كنت أتأمل ما رواه لي صاحبي من أخبار مؤسسة هدية الحاج والمعتمر الخيرية بصدر منشرح، مستبشراً بهذه الأعمال الجليلة التي تلائم جمال وجلال مكة المكرمة مهبط الوحي، والبيت الحرام والكعبة المشرفة قبلة المسلمين.
هدايا تتكون من أشرطة وكتيبِّات وحقائب تحتوي على بعض ما يتناسب مع قداسة البلد الحرام من المصاحف (وأعواد السِّواك) وغيرها من كتب الأدعية المأثورة، والوصايا المشهورة، هدايا تدخل على قلوب ضيوف الرحمن من السعادة ما يظهر أثره بارزاً على ملامح وجوههم التي تشرق بالحب والإيمان، والرِّضا والاطمئنان.
وتظل الهدايا التي من هذه الأنواع التي أشرنا إليها جميلة، ذات أثرٍ كبير في النفوس، وإن كانت مألوفة معروفة، فقيمتها تنبثق من قيمة المكان الذي تُهدى إلى الحاج أو المعتمر في رحابه الطاهرة.
أما تلك الهدية التي لم تكن تخطر ببال، وما أظنها تخطر ببالكم فهي هدية معنوية ثمينة، شعرت أن مؤسسة هدية الحاج والمعتمر قد وُفِّقت إليها كلَّ التوفيق، لما لها من آثار روحية كبيرة في نفوس من لهم علاقة بها من المُهدِين، والوسطاء الذين يوصلون الهدية، والمُهدَى إليهم.
فما تلك الهدية العجيبة الثمينة يا ترى؟
إنها هدَّية (حجة) أو (عمرة) تقدَّم مع كل الحب والتقدير والإحساس بجمال التواصل، وقوَّة الترابط في الله عز وجل مهما تباعدت الأزمنة، وتناءت الأمكنة، تقدَّم من الخلف إلى أحد السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى زماننا هذا.
حجة، أو عمرة، يُهدى ثواب كل واحدةٍ منهما إلى ابن مسعود، أو خالد بن الوليد، أو عمر بن الخطاب، أو علي بن أبي طالب، أو غيرهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم رجالاً ونساء، كما يُهدى ثواب نظائرهما من هدايا الحج والعمرة إلى مشاهير السلف الأخيار، خاصة من تثبت من خلال مسيرته أنه لم يتمكن من الحج.
أرأيتم كيف يحمل ديننا العظيم هذه المعاني الروحية السامية، وهذا التواصل الذي لا ينقطع، وكيف يلتقي فيه الخَلف بالسلف أقوى لقاء وأجملَه وأصدقَه، وبينهما من الكتاب والسنة والسيرة العطرة جسر ممتد تمرُّ به تصاريف الزمن كَلْمَى حزينةً وهو لا يبالي، هدَّية رائعة تُشْعِرُ من أهداها، بقرب من أُهديَتْ إليه قلباً وروحاً، وتُشْعِر مَنْ يقوم بالحج أو العمرة أنه يتواصل مع السلف روحياً برغم تباعد المسافات الزمنيَّة بينهما، مع كونه يستفيد مادياً ما يسدُّ حاجته، فقد اعتمدت المؤسسة أن توكِّل من طُلاب العلم وغيرهم من هم بحاجة إلى مساعدةٍ مالية ليقوموا بأداء الحج والعمرة، أما التكاليف المادية فهي مقدَّمة من فاعلي الخير من المسلمين من أهل هذه البلاد الطاهرة ومن غيرهم، فتتكامل بذلك الأدوار في تقديم هذه الهدية التي يمكن أن نسمِّيها (هدَّية التواصل الروحي)، فجزى الله كل من له دور في هذه الهدية المتميِّزة خير الجزاء.
إشارة:
كم فتى غائبٍ عن العين موجود
وكم حاضرٍ طواه الغياب