فإن أفضل المسابقات وأشرفها ما كان في كتاب الله تعالى، من حيث حفظه وتلاوته وتجويده وتفسيره، ولاسيما إذا كان ذلك التسابق في بلد القرآن وحكومة القرآن، أعني بلد المملكة العربية السعودية التي أعلن حكامها وقادتها القرآن شريعة ومنهاجاً في كل محفل عام وخاص، وعنايتهم بالقرآن الكريم تحكيماً وتعليماً ونشراً وتحفيظاً أكثر من أن تُحصى وتُذكر.
ولا سيما كذلك إذا كانت المسابقة في أشرف مكان في مهبط الوحي في مكة المكرمة، وتحمل اسماً عزيزاً وغالياً في قلوبنا وهو الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته - راعي نهضة هذه البلاد وباني وحدتها بتوفيق الله عز وجل له ولكافة أبنائه البررة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز وفقهما الله وحفظهما بعنايته ورعايته.
وإن كان لي من كلمة في هذه المسابقة فإني أحب أن أبيّن أثر تعليم القرآن الكريم وتعلمه في صلاح الفرد. فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}(57) سورة يونس، فالقرآن الكريم فيه موعظة وذكرى كما قال الله عز وجل: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}(90)سورة الأنعام.
ولا شك أن الجو الإيماني في تلاوة القرآن الكريم وتعلمه من حيث كون المرء متوضئاً وكونه في بيت من بيوت الله تحفه الملائكة وتنزل عليه الرحمة له أكبر الأثر في صلاح متعلم القرآن الكريم، وهذا مشاهد ومحسوس من خلال الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم وفضلها في تعليم القرآن الكريم؛ فهي تعلم ما يقارب 600000 دارس ودارسة فيما يقارب 30.000 حلقة قرآنية، والذين يدرسون في تلك الحلقات هم من مختلف الأعمار فيبدؤون من مرحلة الطفولة والتمهيدي إلى مرحلة كبار السن والأميين. فيدرس في تلك الحلقات الطفل والغلام والشاب والرجل والكبير، وكذا الطفلة والفتاة والشابة والأم والكبيرة، فيغير القرآن الكريم ويؤثر في أخلاقهم وسلوكهم ويحميهم من الانحراف السلوكي والعقدي والاجتماعي، والقصص في ذلك الإصلاح القرآني في حلقات الجمعيات أكثر من تذكر، ولا أدل على تأثير القرآن الكريم على حماية السلوك من تعليم للمسجونين والموقوفين في الإصلاحيات ذكوراً وإناثاً تحقيقاً لمكرمة الدولة - رعاها الله - في تخفيف نصف العقوبة لمن حفظ القرآن الكريم وفق معايير وشروط منضبطة تطبقها الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالتعاون مع المديرية العامة للسجون بوزارة الداخلية ويشرف على كل ذلك وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ممثلة في الإدارة العامة للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم وبإشراف ومتابعة من معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
وقد تخرج الآلاف ممن حفظوا القرآن الكريم وشملهم العفو الكريم فانقلبوا بالقرآن الكريم من ظلام الجريمة إلى نور الدعوة والإصلاح فأثر القرآن الكريم في سلوكهم وانحرافهم، وصدق الله إذ يقول: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (9) سورة الإسراء، وقد ذكر الله تعالى أثر القرآن عند تلاوته على الفرد فقال سبحانه: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} (107-109) سورة الإسراء، وقال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (23) سورة الزمر، وقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(2)سورة الأنفال.
وختاماً أسأل المولى جل في علاه أن يجعلنا من المتأثرين بكتاب الله تعالى المنتفعين به في الدنيا والآخرة، وأن يحفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه الله ويرضاه.
* المدير العام للإدارة العامة للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم