مغلوبة على أمرها بما تعنيه هذه الكلمة، فهي فتاة تعتبر نموذجاً لضحايا عادات جاهلية، وأعراف قبلية، وتقاليد اجتماعية، فهي في العقد الثالث من عمرها، تشتعل أنوثة وتتوقد حيوية ونشاطاً، لها أماني عدة من أهمها: زوج صالح يعينها على طاعة ربها، تبادله المودة والرحمة، تتعاون معه على البر والتقوى، يكون على يديه تحقيق ما تصبو إليه، وإنجاز ما تحلم به، فهي منذ بلوغها وهي تطمح بأن تكون من الداعيات إلى الله تعالى، ومن الساعيات إلى نفع عباده، وقد عرف عنها ذلك أيام دراستها، فمنذ كانت طالبة وهي تحلم في نفع الناس وتفريج كربهم، والإحسان إلى مساكينهم وفقرائهم. وكانت تأمل أن يكون لها دخل تجعل منه جزءاً تنفقه في سبيل الله تعالى، لتجده في ميزان حسناتها يوم القيامة، ولذلك بذلت قصارى جهدها في دراستها حتى نالت شهادة عالية، حصلت من خلالها على وظيفة تناسبها وتناسب أسرتها المحافظة، ولكنها بليت بأب جاهل جشع، ينطبق عليه المثل الذي يقول: أراد أن يكحلها فأعماها، فهو يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياتها حتى في أشيائها الخاصة، بحجة الحرص عليها وعلى مستقبلها المنشود. اختار لها زوجاً وفق مواصفاته وشروطه، لم يأخذ لها رأياً، فتزوجته زواجاً تقليدياً، ولكن جعل الله بينها وبينه مودة ورحمة فأحبها وأحبته، بل أحب الأرض التي تمشي عليها - كما قال عندما سأل عن ذلك - ولكن كثرة تدخل والدها وتحكمه في شؤونها الخاصة والعامة، وتهميشه لزوجها في كثير من الأمور، وخاصة فيما يتعلق براتبها، صارت تتلاشى محبتها من قلب زوجها حتى كانت الكارثة ووقع الطلاق، فصار الحرمان نصيبها من كل شيء، حرمت من حريتها الشخصية، ومن ثمرة جهدها، ومن زوجها نتيجة الجهل والعادات والتقاليد.
فهذه الفتاة وهناك غيرها مثلها، من حقها أن تعيش حياتها الخاصة بها، من حقها أن تختار شريك حياتها بنفسها أو على الأقل تكون راضية به زوجاً لها وتعيش معه بحرية تامة دون تدخلات أهلها، من حقها أن تتصرف بأموالها، وهذا لا يعني أن تحرم والدها من نفعها -معاذ الله أن نقول ذلك- لأنها هي ومالها لأبيها كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن بهذه الطريقة لا، يقول ابن قدامة في المغني: للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه، ومع عدمها، صغيراً كان الولد أو كبيراً، بشرطين: أحدهما: أن لا يجحف بالابن، ولا يضر به، ولا يأخذ شيئاً تعلقت به حاجته، الثاني: أن لا يأخذ من مال ولد فيعطيه الآخر، ولا شك أن ما يفعله بعض الآباء في بناتهم الموظفات فيه مخالفة واضحة لهذه الشروط، ففعلهم فيه أجحاف وفيه ضرر وغير ذلك، فعلى من كانت هذه حاله أن يتق الله عز وجل، وليأكل بالمعروف وليترك لابنته المجال في حدود المباح لتلبس لباساً يليق بها، لتقدم لنفسها ما تجده يوم القيامة في موازين حسناتها، وذلك من حقها.
* حائل ص. ب: 3998