Al Jazirah NewsPaper Friday  17/10/2008 G Issue 13168
الجمعة 18 شوال 1429   العدد  13168
نقاط فوق الحروف
من يضمن استمرارنا بالتوبة؟!
قبلان بن محمد الشمري

يسأل كثيرٌ من التائبين عن ضمانات الثبات على طريق الهداية وعدم العودة لعالم المخدرات، وينتابهم قلق كلما انتكس صديق لهم ويزداد الهم والغم وكأنما الشيطان يتوعَّدهم ويتربّص بهم، فنقول لهؤلاء الأحبة الأخيار: لو كانت هناك ضمانات لما أكثر الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام من دعاء (اللّهم يا مقلِّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك)، فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف يشاء، فقد يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً (والعياذ بالله)، وقد يمسي كافراً ويصبح مؤمناً كما في الحديث إلا أن المولى جعل للسائر على درب الهداية مشاعل ومصابيح تقيهم الزلل والفتن وتنير لهم الطريق حتى يأتيهم اليقين.وتكفّل عزَّ وجلَّ بحفظ عبده من غواية الشيطان كما في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} بل إن الشيطان حين يتبرأ من أهل الضلال يوم القيامة يؤكِّد هذا المعنى {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي}، فطريق الهداية وإن حفّ بالشهوات إلا أنه مليء بمحطات التعبئة الإيمانية التي تزوِّد المسلم بالطاقة اللازمة لإكمال المشوار.

وإن الخوف من الارتكاس والانتكاس شعور طبيعي لا يقتصر على التائب، بل كل مؤمن يشعر بذلك، وهذا الإمام أحمد يأتيه الشيطان لحظة الاحتضار فيقول له: (أما أنت فقد نجوت مني) فيرد عليه قائلاً: (ليس بعد) فلا يطمئن من كيد الشيطان ومكره حتى يلفظ أنفاسه.

وقد شرع المولى جلَّ وعلا أسباباً للثبات وأهمها: الصحبة الصالحة التي تهيئ للتائب البيئة الطاهرة وتسمو به إلى مراتب العلا، فلا يستمع إلا إلى خير ولا يبصر إلا خيراً وتحفظه من رفاق السوء وجنود إبليس الذين يمكرون بالليل والنهار ليعيدوه لعالم التيه والضياع، قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}وتأمّل قوله تعالى: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء} مع فارق الشبه لأن تاجر المخدرات لا يتحمّل رؤية المدمن وقد تحوّل لتائب يصلي ويصوم ويلتزم الصراط المستقيم.

وإذا كان المصطفى عليه الصلاة والسلام قد أمر بالتشبث بالعصبة المؤمنة وأن لا يفارقها أبداً فماذا نقول نحن؟ {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا...}، هذا هو المنهج والسبيل للثبات، ويبقى الدعاء الخالص مثل: (اللّهم يا مقلِّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك) ودعاء (اللّهم أرني الحق حقاً وارزقني اتباعه وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه) هو الحارس الأمين للقلب المنيب.

* مرشد علاج إدمان



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد