تسقط في كفك دمعة لم تكن آتية من عينيك..
يعبق في أنفك عبير لست من نثره حولك..
ترد لأذنك كلمة طيبة ليست قادمة من بين شفتيك..
يحتويك دفء في صقيع حزن لست من تدثره..
يُنفض عنك غبار ريح ليست يدك من حمل عليه..
تفاجأ في لحظة جوع بلقمة هناء امتدت لفمك..
وعند عطش بكأس عذب ينزل على صداك برداً..
وحين تعود من غيابة الحزن وسطوة الألم.. تجده رفيقك في الطريق.. زميلك في العمل.. جارك في المسكن.. صاحبك في الهدف.. من احتوى جرحك فبكى لك قبل أن تبكي.. ومن عطر أجواءك قبل أن تخنقك.. ومن واساك دون مدية اغتيالك.. ومن لمك من شعث الريح.. وأدفأك من رجفة صقيع الخوف..
ومن أطعمك في حين زهد يأس.. ومن أرواك عند لهث اضطراب.. يصنع لك بيئة قلب لا تخرج منه إلا على نبض.. ولا تنأى عنه لوحشة غفلة.. ولا تضل فيه من مظلمة جفوة.. أنت حينها إنسان وهو حينها إنسان.. وحيث الإنسان تتساوى الأزمنة والأماكن.. وتتنامى.
لكن.. هل هذا الإنسان موجود في الركض اللاهث مع عجلة الآلة وخطف الضوء.. ولمسة ورق النقود.. ورائحة تربة الناطحات.. وسرعة عجلات السير.. ودولبة مكنات صناعة كل أمر حتى أعضاء الإنسان يتحرك بها بلا قلب.. هل لا تزال له دمعة ومنه نبضة وفيه قلب يتماوج إحساسا بالآخر؟.. هل لا تزال بيئة النفوس لم تعترها وحشة الغربة وفقد الأواصر؟.. أم تحول الإنسان والآخر داخل مكاتب العمل وعند منعطفات الدروب وفي محطات اللقاء وعلى مقاعد الزمالة ومسارات الرفقة والصحبة لإنسان خارجه من عظم مكسو باللحم وباطنه أسلاك ومعادن؟.. هل هو زمن غربة الإنسان واحتلال الإنسان الآلة مكانه؟.. بمعنى هل زمن المادة منح صفاته لإنسان الزمن؟..