Al Jazirah NewsPaper Wednesday  15/10/2008 G Issue 13166
الاربعاء 16 شوال 1429   العدد  13166

دفق قلم
مريم الأمريكية - رحمها الله -
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

 

قلت لصاحبي: ما أروع قصة الفتاة المسلمة الأمريكية (مريام) التي أطلقت على نفسها اسم (مريم)!

قال صاحبي: وما قصَّتها؟ قلت: تقول عن نفسها في لقاء د. محمد العوضي بها في قناة اقرأ: أنا فتاة نصرانية، لست ملتزمة بالدين كما هو شأن ملايين الحيارى في أمريكا وأوروبا وغيرها من أصقاع العالم، كنت في حالة صراع نفسي عنيف، لا أدري من أنا، وماذا أريد، حتى وأنا أعيش صخب الحياة، وضجيج العصر في أكبر دولةٍ في العالم، كنت أشعر بالفراغ الروحي القاتل، ولست وحدي في هذه الحالة المؤلمة، فإن صديقاتي جميعهن على اختلاف مستوياتهن المادية التي تتروح بين الثراء الكبير والدخل المتوسط يعشن ما أعيشه من القلق، والإحساس بالضياع.

دخلت ذات يوم إلى عالم الإنترنت الفسيح الصاخب؛ لأضيِّع شيئاً من الوقت بين مواقعه الغريبة العجيبة التي لم تكن تزيدني إلا قلقاً وأرقاً وشعوراً أعمق بالضياع، وفتحت بريد رسائلي، فوجدت رسالة لافتة للنظر من رجل مسلم عربي تقول: إذا كنت تبحثين عن السعادة فراسليني على هذا الإيميل، وبادرت بالإرسال إليه موضحة حاجتي الماسَّة إلى السعادة التي أصبحت أشك أنها موجودة في هذه الحياة، وقلت في ردي على رسالته: مع أنني أشك أيضاً في قدرتك على أن تدلَّني على طريق السعادة، إلا أنني سأجرِّب، وجاء ردُّه مباشرة: لقد بعثت إليك بملفٍّ صوتي يحتوي على تلاوةٍ لأحد القراء المسلمين لسورة من القرآن الكريم اسمها (مريم) أرجو أن تستمعي إليها بتركيز، فأنا على يقين أنها ستؤثر فيك وإن لم تكوني على معرفة باللغة العربية، إنها صورة قرآنية كريمة تتكلَّم عن عيسى ابن مريم عليه السلام وأمِّه الصدِّيقة البتول، تقول مريم: استمعت بتركيز إلى ذلك الفَيْض الروحي العجيب، وتأمَّلْتُ ذلك النسق البديع في تلك الآيات التي شعرت أنها تلامس شغاف قلبي، ولم أنتظر طويلاً بل تواصلت مع الرجل الذي بعث لي بسورة مريم وشرح لي عن الإسلام وعن معاني آيات هذه السورة المباركة ما وجدت فيه جواباً عن تلك الأسئلة المشتعلة في شأن الكون والحياة والناس والموت التي كانت تشغل بالي منذ أن أصبحت قارئة مثقفة، فنطقت بالشهادتين مودِّعة حياة القلق والضياع.

وحسن إسلام مريم، وأقبلت على حفظ القرآن وقراءته وتعلُّم اللغة العربية الفصحى بشغف كبير، جعلها تتقن النطق باللغة العربية خلال سنتين، وتستوعب معاني ما تسمع وتقرأ منها، وعزمت على زيارة المسجد الأقصى، والمسجد الحرام، والمسجد النبوي، وبدأت بذوي قرابتها في دعوتها إلى الإسلام، ولكنَّ الهداية لم تكتب لهم بعد.. جاءت إلى الكويت وزارت الأردن بعد أن أجرى معها ومع أسرتها د. محمد العوضي ذلك اللقاء المهم.

تحدثت مريم عن الحجاب حديث الفتاة المسلمة المؤمنة بأن الحشمة والحجاب والحياء من أهم صفات المرأة المسلمة، وتحدثت عن شعورها بالحسرة أن فرصة زيارة المسجد الأقصى ليست متاحة للمسلمين كما هي متاحة لها بسبب جنسيتها الأمريكية، كما تحدثت عن ظلم اليهود للمسلمين، وعن وجوب إخراجهم من الأرض التي اغتصبوها وشرَّدوا أهلها، وتحدثت عن سعادتها بمن لقيت من النساء المسلمات في العالم الإسلامي اللاتي يحملن مبادئ الإسلام قولاً وعملاً، وتحدثت عن أسفها الشديد لما رأت من تمرُّد كثيرٍ من النساء المسلمات في العالم الإسلامي على مبادئ شرعهن الحكيم.

ثم ماذا؟ لم يطل مكث مريم الأمريكية في هذه الدنيا، فقد لقيت ربَّها في حادث مروري في الأردن في اليوم الثالث من شهر رمضان المبارك 1429هـ، في الوقت الذي كانت فيه حلقات اللقاء معها تذاع في قناة اقرأ الفضائية.

قال لي صاحبي وعلامات التأثر بادية على وجهه: يا لها من قصة مثيرةٍ ربما لا تسلم هي أيضاً من سخرية بعض الكتاب الذين يقفون دائماً خارج دائرة الإحساس بما في هذه المواقف من العظة والعبرة، وما في سردها من الإمتاع.

قلت لصاحبي: وهل تتوقع أن هنالك من يفكِّر أنْ يحجب ضوء الشمس بيده؟؟

إشارة:

جاءنا الله بالهدى فَسَموْنا

وهجرنا الأنصابَ والأزلاما

www.awfaz.com

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5886 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد