Al Jazirah NewsPaper Wednesday  15/10/2008 G Issue 13166
الاربعاء 16 شوال 1429   العدد  13166
عولمة الانهيارات
د. خالد الشريدة(*)

العالم يشهر إفلاسه.. بنوك وشركات وأسواق وبورصات تتهاوى يوماً بعد يوم.. يا ترى ما الخلل؟!! وأين الخلل؟!! هل نظل نفسر وقائعنا بمعايير مادية بحتة، قروض دون أرصدة، وأرصدة دون أصول وأوراق دون معنى وضمانات هشة.. ووو.. الخ من تحليلات وتعليلات لا ترقى في تقديرنا إلى ملامسة أس المشكلة التي يبنى عليها النظام الرأسمالي الذي عولم منتجاته بمنطق القوة لا قوة المنطقة..

.. تساؤلي الكبير هنا هو (لماذا نحاول نحن المثقفين أحياناً تجاوز أو التغاضي عن عوامل قد تكون هي من صميم المشكلة!! أو لسنا نؤمن بأن الله يقول {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} لماذا لا نستحضر أحياناً أن الله محق هذا الظلم الذي تجاوز فيه الأغنياء المغالون حدود منطق الظلم إلى الطغيان الذي يستحيل معه العيش الكريم..) وأن الله يمهل للظالم حتى إذا أخذه، أخذه أخذ عزيز مقتدر.

.. نعم إنه أفول لحضارة الدولار ونسف لأهم مقوماتها ألا وهو الاقتصاد الربوي الذي سمم اقتصادات العالم بانتفاضاته المرضية حتى تهاوت من (علو) شاهق فروّى أصوات تساقطها إلى كل حبل كان يتمسك بها.. وكانت الحبال المتينة بها أشد تساقطاً من غيرها.

.. إن مظالم عالمية يصعب حصرها كانت وراء تساقط النسر الأمريكي الذي حلق في الفضاء حتى انعدم في جوّه الأكسجين ثم هوى إلى مكان سحيق، الله أعلم بأعماقه، وذلك تماماً مثلما ترنح (الدب الروسي) الذي تساقط قبل قرابة العقدين من الزمن.

.. وإلى كل ذلك فإن العالم اليوم بالتأكيد يبحث عن جذوة إنقاذ لمصيره الذي يراه مظلماً ومجهولاً.. والذي يتحتم على ولاة أمة المسلمين من قادة وعلماء أن يستغلوا تهاوي الرأسمالية والاشتراكية ليقولوا للعالم إنها الرؤية الإسلامية التي هي حبل الله المتين لا غير..

.. إن من مشكلاتنا التي نعاني منها أننا لا نستغل الفرص العالمية ولا نوظفها لخدمة، لا أقول مصالحنا، بل لخدمة صالح العالم ومصالحه.. فلسنا دعاة استغلال ولا قناصي فرص تجاربه أو إعلامية وإنما نريد للعالمين الرشاد.

.. إنني أفرح وأحزن في آن واحد حينما تدعو مجلة تشالنجر الاقتصادية الألمانية لتطبيق الشريعة الإسلامية للخروج من الأزمة المالية العالمية وتؤكد المجلة هذا الطرح بالقول بإننا أكثر حاجة في هذه الأزمة لقراءة (القرآن) بدلاً من (الإنجيل) لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد بالقرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها لما حل بنا ما حل من أزمات وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري).. انتهى.

ومن ألمانيا إلى فرنسا حيث يقترح مجلس الشيوخ الفرنسي بحث الوسائل التي تسمح لفرنسا بولوج النظام المصرف الإسلامي!!! إنهم يعتقدون أن المصرفية الإسلامية يمكن أن تكون حصناً من هذه الانهيارات.

.. إن المسلم المتطلع يفرح لهذه الاستشهادات، ويحزن أين نحن من المشاركة في قيادة دفة التغيير لمصلحة العالم!!!

.. ويدرك المهتمون بالاجتماع السياسي بأن هناك متغيرات جيوسياسية واقتصادية سوف تغير تشكيل العالم وقواه.. والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا.. هل لدينا الاستعداد لأن تراحم على مقاعد القيادة؟

إن هناك اعترافاً من قبل العالم بأن للسعودية ثقلها وريادتها وذلك كان التوجه بأن تنضم إلى الدول ما تسمى بالكبرى لتعيد تشكيل خارطة القوى العالمية.

التساؤل الآخر الذي يحمل في طياته الإجابة هو: لماذا خسر الأمريكيون صورتهم وبسرعة تجاه العالم؟ وذلك ما أكدته دراسة استطلاعية لعدد من الشعوب بأن الخصائص السلبية والمادية والإرهاب هي الأكثر التصاقاً بالصورة الأمريكية. ويؤكد ذلك تساؤل مهم طرحته مجلة (تايم) الأمريكية حول (من الذي يشكل مصدر الإرهاب في العالم؟) فأتت الإجابة صريحة وقاسية بأن أمريكا شكلت النصيب الأكبر لخلق جذور الإرهاب!!..

.. ولو لم يجب العالم بهذا الشكل فإن قوانين وسنن التاريخ سوف تجيب عاجلاً أو آجلاً ذلك أن عقوبات التاريخ السابقة والمتلاحقة هي (صنيعة الكسب).. إن صناع الانهيارات هم بالتحديد من كان يخسر حينما يكون هناك سلام وهم من يربح حينما يكون هناك حرب وخلل.

.. ويبقى بعد كل هذا التصور أننا أحوج ما نكون اليوم إلى التضامن مع بعضنا كدول عربية وإسلامية وخليجية لأن الاهتزاز يصعب مع الاتحاد ويسهل مع التوحد.. والحصن الذي نعتقد أنه خفف علينا الوطأة أننا أسلمنا عدداً من نوافذ مصارفنا والطريق إلى التأثير الإيجابي الفعال أن نؤسلم النوافذ والأبواب.. بل حتى الأسس. من أجل أن نسلم من عولمة الانهيارات لنبني على أطلالها أصل الحضارات وأرقاها.

إضاءة

{وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً..}.

(*) عميد عمادة خدمة المجتمع بجامعة القصيم



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد