Al Jazirah NewsPaper Wednesday  15/10/2008 G Issue 13166
الاربعاء 16 شوال 1429   العدد  13166
صور سيسيولوجية من المجتمع السعودي ..
د. فوزية عبدالله أبو خالد

محاولة تجريبية ما قبل التصوير:

في سلسلة من المقالات التي قد لا تكون متتابعة ليس تبعاً لمزاجي الشخصي ككاتبة ولكن لمحاولة التعامل المنهجي مع بعض المقتضيات الإجرائية من موقعي كباحثة لما سأقوم به من تقديم (محاولة تجريبية لقراءة بعض صور الواقع الاجتماعي بالمجتمع السعودي) بهدف:

1 - استنتاج دلالاتها المعرفية.

2 - تحديد إطارها الثقافي.

3 - التعرُّف على المضمون السيسيولوجي لمثل هذه الصور ضمن منظومة ما يعرف بعلم الاجتماع المعرفي من العلوم الاجتماعية.

وفي هذا أود التنويه لمن يعنيه الأمر بأنه لا بد لي من الاعتراف أنني أقدم على هذه (المحاولة التجريبية) لتقديم قراءة سيسيولجية لعدد من صور الواقع المجتمعي دون أن أملك ضمانات نجاحها، وإن كان ما يطمئنني أنه بغض النظر عن احتمالات النجاح أو الفشل فإنني أملك من الفضول المعرفي والشغف العلمي والطيش الشعري والتجريبي ما يكفي ليمدني بشجاعة اختبار الاحتمالات وتجريب الممكنات.

هناك عدد من الملاحظات الأخرى التي أرى مصارحة القارئ بها.

فلاش للتصوير

الملاحظة الأولى هي أن الصور التي أقوم بانتخابها مشتقة من صلب الواقع الاجتماعي للمجتمع السعودي، إلا أنها ليست كلها صوراً يومية؛ فبعضها صور موسمية، وهي صور متحركة في كل الأحوال تتموج في المكان والزمان، وتتداخل وتتقاطع مع المد البشري الذي يعتبر العنصر الأساسي في تشكيل هذه الصور.

الملاحظة الثانية أن عدداً من هذه الصور كان يفترض أن تقدم كمادة بصرية من خلال تصويرها في لقطات سينمائية حية تتبع بالتحليل الصوتي، بينما لا أقوم هنا إلا بمجرد عرضها من خلال الشكل السردي مرفقاً بالقراءة التحليلية؛ ما قد لا يجعلها تقدم بكل ما في اللقطة الفوتوغرافية المتحركة من حرارة الصورة وموارها.

الملاحظة الثالثة أنني أقدم هذه الصور في كتابة عبر صحيفة يومية عامدة لتظل محتفظة بحرارة علاقتها بدورة الحياة اليومية. وهذا قد يعطي مساحة لتجريب (كتابة التحليل المعرفي والكتابة الإبداعية) بلغة مشتركة يومية وتحليلية وشاعرية في آن. وإذا كان من أهمية لهذه العملية من التجريب فهي أن ما أفعله هنا هو المزج (غير المشرع بعد) بين التحليلي والإبداعي.

الملاحظة الرابعة أننا تركنا قراءة مجتمعنا للعيون الأجنبية، وهي وإن اتسم بعضها بالموضوعية فإنها لا تخلو من القراءات الاستشراقية المرتبطة بالعلاقة بين (المعرفة والسلطة) في إنتاج موقف استعلائي يخل بفهم هذا الواقع. بما يجعلنا مسؤولين عن قراءة واقعنا بعيوننا على أن نتحرر من التورط في استحسان الذات أو تسفيهها في نفس الوقت الذي لا نرتهن فيه لعقد التفوق أو النقص في العلاقة بالمرجعيات النظرية المنجزة للعلوم الاجتماعية والأدب.

الملاحظة الخامسة أنني أدرك أنني جزء من تكوين المشهد؛ لذا فإن محاولتي لقراءة هذه الصور هي محاولة لأن لا أكون من العناصر السالبة في فسيفساء وحركة المشهد.

زووم

لا يمكن وقد صار بين مول ومول أكثر من مول في معظم المدن بالمجتمع السعودي حيث أصبحت المولات مرتعاً لمعظم نشاطات الأسرة بالمجتمع السعودي من التسوق إلى التنزه إلى تناول القهوة والطعام والتريض وسواها, أن أدل على الموقع الميداني الذي سألتقط منه وأعرض عنه بعض الصور الاجتماعية الملتقطة من صلاة التراويح والقيام دون الإشارة إلى واحد أو أكثر من المولات الملتفة حول أعناقنا. وإن كان تحليل صورة المول ليس جزءاً من موضوع اليوم. فإلى صور الموضوع:

صور اجتماعية من صلاة التراويح والقيام

خلف مول الروشان غير بعيد عن مول جرير و(مول الوطنية) وبعد تقاطع ميدان الآية الذي يشكّل شارع الأمير سلطان أحد امتداداته الجيدة التعبيد خلافاً لمعظم شوارع الأحياء الحديثة والحواري القديمة لمدينة جدة، يقع في منطقة وارفة الخضرة تهف منها رائحة النظافة مسجد الأمير عبد العزيز بن فهد. وهو على ما يبدو مسجد يشتهر عند الأهالي بروحانية أجواء صلاة التراويح والقيام المقامة فيه طوال شهر رمضان. وكنت قد حرصت على أداء صلاة التراويح في هذا المسجد مرة أو مرتين العام الماضي من شهر رمضان 1428هـ ليس فقط لقربه من بيوت أسرتي بحي البساتين بجدة ولكن أيضاً لما نما إلى علمي من إمامة الشيخ أحمد العجمي للصلاة فيه بترتيله الخاشع الشجي وإن لم يصادف حضوري للصلاة وجود الشيخ العجمي فقد تنعمت بطبيعة الحال بالصلاة.

الشروع في التصوير - أكشن

أما وقد قضيت معظم أيام الشهر المبارك لهذا العام 1429هـ بين مكة المكرمة وجدة فقد أُتيح لي التردد شبه اليومي على هذا المسجد لأداء الصلاة وخاصة في العشر الأخيرة، حيث كنت أحضر صلوات التراويح والقيام. وعند هذا الحد من التمهيد لعرض القراءة سأنسحب من الصورة أو أخرج من بؤرة ضوء الفلاش وأترك لعين الكاميرا تحكي وحدها المشهد بأبعاده السيسيولوجية.

يتزاحم عدد من السيارات التي يقود معظمها فتيان صغار بعضهم لم يخط شاربه بعد أو سائقون مستقدمون تعرفهم من هندامهم بالملابس الباكستانية أو بالقميص والبنطال أو وإن لبس السائق الثوب المحلي والغترة والعقال فيمكن أن تميزهم بوجود النساء محشورات في المقعد الخلفي بينما السائق وحده يستمتع بالمقعد الأمامي. باستخدام كل آليات الإزعاج من البواري إلى النور العالي و(تساقط) السيارات على بعضها البعض بالشتائم تصر كل سيارة أن تقف بالضبط عند حلق مدخل النساء من المسجد؛ فليس هناك من ينزلن في المواقف ويتحملن عناء أو أجراً قليلاً من المشي وإن كن نشيطات كسرب غزالان. فالسيارات تتعارك إلى أن تنزل السيدات ثم تنسحب بصعوبة إلى المواقف لينتظر سائقوها يدخنون ويتحادثون إلى حين عودة السيدة أو السيدات بعد انتهاء الصلاة. وقد يذهب بعضهم ليشارك في أداء الصلاة بمسجد الرجال, وقد يكون بعض هؤلاء السائقين على دين غير الإسلام أو سواه من الأسباب التي تجعل من مدخل مصلى النساء نقطة تجمع لعدد من الشباب الصغار والمستقدمين من السائقين، وإن كان للحقيقة لا يبدو أن أياً منهم يلفته دخول وخروج السيدات فإذا ما رن الهاتف الجوال لأي منهم يهرع لإحضار السيارة للسيدة فيعود تفاقم زحام العربات بأشد مما كان عليه عند الدخول.

أما السؤال لمحاولة تقديم قراءة سيسيولوجية من منظور علم اجتماع المعرفة للمشهد فهو: إلى أي درجة تعتبر هذه الصورة معبرة عن ملمح من ملامح الدلالة المعرفية لتفصل التجاذب والتنافر بين الإطار الثقافي التقليدي وبين محاولة المجتمع التحكم في مسار التحولات بما ينتج ما يسمى (بالخصوصية السعودية للمجتمع السعودي) وإن خالف هذا المسمى التستري, الحركة الطبيعية للتغير الاجتماعي أو أعطاه صوراً مبتسرة أو معيقة أو في أحسن الأحوال جعلت المجتمع كمن يركب طائرة ليس بهدف الانطلاق من نقطة إلى أخرى بل بهدف أخذ صورة داخل الطائرة أو بجانبها أو حولها لعرضها في الفضائيات أو سواه من الأهداف التجميلية أو الإيهامية بالجدية في مشاريع التنمية والإصلاح.

سؤال آخر أقل تعقيداً: إلى أي مدى تعتبر الصورة أعلاه معبرة عن المفهوم العصري البسيط (لأنظمة المرور) بعد اختراع السيارات ووجود قوانين منظمة وأنظمة مقننة للمرور على سبيل المثال. ماهو المدلول المعرفي للموقع الاجتماعي لكل من المرأة, الفتيان الصغار, السائقين في هذا المشهد تحديداً. والسؤال الإضافي الذي لا يقل أهمية وإن جرى السكوت عنه إلى الآن هو: أين الشريك الأسري وتحديداً الزوج من هذه الصور. والسؤال لا يريد أن يوحي بغياب الشريك فعدم حضوره لم يعنِ لحظة أنه لم يكن حاضراً في المشهد كما لم يقل أنه حاضر ولكن ما هي طبيعة هذا الحضور وما هو المدلول المعرفي والمضمون الاجتماعي لعملية الحضور والغياب؟ وما هو الإطار الثقافي الذي يسمح بالحضور والغياب في نفس الوقت؟

بيد أنه يبدو أن على الكاميرا أن تتوقف الآن لانتهاء مساحة المقال، إلا أن الصور الاجتماعية لصلاة التراويح والقيام وصور أخرى تتبع في مقالات أخرى بإذن الله. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد..









Fowziyah@maktoob.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5148 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد